الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث في حكم الأنفال .

- وأما تنفيل الإمام من الغنيمة لمن شاء ( أعني : أن يزيده على نصيبه ) فإن العلماء اتفقوا على جواز ذلك ، واختلفوا من أي شيء يكون النفل ، وفي مقداره ؟ وهل يجوز الوعد به قبل الحرب ؟ وهل يجب السلب للقاتل أم ليس يجب إلا أن ينفله له الإمام ؟ فهذه أربع مسائل هي قواعد هذا الفصل .

[ المسألة الأولى ]

[ من أي شيء يكون النفل ؟ ]

أما المسألة الأولى : فإن قوما قالوا : النفل يكون من الخمس الواجب لبيت مال المسلمين ، وبه قال مالك . وقال قوم : بل النفل إنما يكون من خمس الخمس ، وهو حظ الإمام فقط ، وهو الذي اختاره الشافعي . وقال قوم : بل النفل من جملة الغنيمة ، وبه قال أحمد وأبو عبيدة ، ومن هؤلاء من أجاز تنفيل جميع الغنيمة .

والسبب في اختلافهم هو : هل بين الآيتين الواردتين في المغانم تعارض أم هما على التخيير ؟ أعني : قوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) الآية ، وقوله تعالى : ( يسألونك عن الأنفال ) الآية .

فمن رأى أن قوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) ناسخا لقوله تعالى : ( يسألونك عن الأنفال ) قال : لا نفل إلا من الخمس ، أو من خمس الخمس .

ومن رأى أن الآيتين لا معارضة بينهما وأنهما على التخيير ( أعني : أن للإمام أن ينفل من رأس الغنيمة من شاء ، وله ألا ينفل ، بأن يعطي جميع أرباع الغنيمة للغانمين ) قال بجواز النفل من رأس الغنيمة .

ولاختلافهم أيضا سبب آخر : وهو اختلاف الآثار في هذا الباب ، وفي ذلك أثران :

أحدهما : ما روى مالك عن ابن عمر : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة ، فكان سهمانهم اثني عشر بعيرا ، ونفلوا بعيرا بعيرا " . وهذا يدل على أن النفل كان بعد القسمة من الخمس .

والثاني : حديث حبيب بن مسلمة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع من السرايا بعد الخمس في البداءة ، وينفلهم الثلث بعد الخمس في الرجعة " . ( يعني : في بداءة غزوه عليه الصلاة والسلام وفي انصرافه .

التالي السابق


الخدمات العلمية