الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي امتن على عباده بنبيه المرسل صلى الله عليه وسلم وكتابه المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد حتى اتسع على أهل الأفكار طريق الاعتبار بما فيه من القصص والأخبار واتضح به سلوك المنهج القويم والصراط المستقيم بما فصل فيه من الأحكام وفرق بين الحلال والحرام فهو الضياء والنور وبه النجاة من الغرور وفيه شفاء لما في الصدور ومن خالفه من الجبابرة قصمه الله ومن ابتغى العلم في غيره أضله الله هو حبل الله المتين ونوره المبين والعروة الوثقى والمعتصم الأوفى وهو المحيط بالقليل والكثير والصغير والكبير لا تنقضي عجائبه ولا تتناهى غرائبه لا يحيط بفوائده عند أهل العلم تحديد ولا يخلقه عند أهل التلاوة كثرة الترديد هو الذي أرشد الأولين والآخرين ولما سمعه الجن لم يلبثوا أن ولوا إلى قومهم منذرين فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا فكل من آمن به فقد وفق ومن قال به فقد صدق ومن تمسك به فقد هدي ومن عمل به فقد فاز وقال تعالى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ومن أسباب حفظه في القلوب والمصاحف استدامة تلاوته والمواظبة على دراسته مع القيام بآدابه وشروطه والمحافظة على ما فيه من الأعمال الباطنة والآداب الظاهرة وذلك لا بد من بيانه وتفصيله .

وتنكشف مقاصده في أربعة أبواب .

الباب الأول في فضل القرآن وأهله .

الباب الثاني في آداب التلاوة في الظاهر .

الباب الثالث في الأعمال الباطنة عند التلاوة .

الباب الرابع في فهم القرآن وتفسيره بالرأي وغيره .

التالي السابق


(بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الله ناصر كل صابر) .

الحمد لله الذي وفق قلوب الأحباب لموافقة مراسم السنة، وأحكام الكتاب * وفتح بصائر أبصارهم فأبصروا مواقع الصواب * إذ رفع لهم عن مشاهدة عين الحقائق الحجاب * وألهمهم سلوك المحجة البيضاء، وناداهم بلسان المحبة من جناب جنات الاقتراب، فكحلوا نواظرهم بالسهاد، وجفوا مضاجعهم طيب الرقاد، وقاموا بتلاوة الكتاب .

وجدوا في أثر الإطلاب مع الطلاب، جعلوا نهارهم ليلا، وأفراحهم ميلا، وتذللوا على الأعتاب، فأقامهم على حاضره وباديه، وأسمعهم أوامره ونواهيه وهداهم إلى الباب، وأذاقهم لذيذ الخطاب يا عبادي أنا التواب، وروق لهم شراب الاتصال في دار الوصال فناهيك به من شراب، وناهيك بهم من شراب، أحمده حمدا أستوجب به أثواب الثواب، وأشكره شكرا أستزيد به زيادات أولي [ ص: 460 ] الألباب .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تنزهه عن الحلول والاتحاد، والظهور والبطون والابتداء والانتهاء، والاستتار والاحتجاب، وتقدس ذاته المقدسة عن مقالات أولى الجهالات من الكم والكيف والأين والمكان والزمان، والإياب والذهاب .

ونمجده فيما أبرزه بحكمته من الأكوان لا عن التفكر والتدبر والمعاونة والمشاورة والراحة والنصب والانتصاب .

ونعظمه عن التشبيه والتمثيل والتبديل والتركيب والارتكاب، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله أشرف محبوب، وأعظم مشرف، وأكرم مرسل، وأطهر منسل، وأخص الأحباب .

أرسله بفضل الكتاب وفصل الخطاب، وأيده بأفضل كتاب، وأجمل خطاب، أخجل فصحاء الأعراب بالإعراب والإيجاز والإسهاب، وأعجز بلغاء الأحزاب ببدائع النهي والإيجاب .

وأضربهم عما يعبدونه مما ينحتونه ما أتى به من الإضراب، فأنقذ الأحباب من مهاوي الارتياب، ومغاوي الأعراب، وأعقب الأعراب بالعقاب على الأعقاب، وكشف عن وجه نور الإسلام مكفرات ظلمات الإشراك والضباب، صلى الله عليه وعلى آله الأنجاب، وأصحابه الأحباب .

وعلى الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين الأقطاب، أبي بكر الصديق، وأبي حفص عمر بن الخطاب، وأبي عمر، وذي النورين جامع القرآن، والأخشى في ذات الله أبي تراب، وسلم تسليما كثيرا كثيرا، ورضي عنهم وأرضاهم عنا، وعن التابعين لهم بإحسان إلى ما بعد يوم الحساب، وبعد:

فهذا شرح

(كتاب آداب تلاوة القرآن)

وهو الثامن من الربع الأول من كتاب إحياء العلوم للإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي روح الله روحه، ومنحنا فتوحه، حللت منه عقدة الألفاظ، وحللت بوضعه ذروة الحفاظ، معولا ناقب الفكر على إيضاح ما خفي من الإشارات والرموز معتنيا بفك ما أغفله الأكثرون مما فيه من الذخائر والكنوز مع الكشف عن مظان الروايات، وتطبيق العبارات بالعبارات وعز والأقوال إلى أربابها ورد الوجوه لأصحابها معترفا بغاية العجز الوفير متلففا برداء الزمانة والتقصير سائلا من المولى اللطيف الخبير متوسلا بهذا الإمام إليه في تفريج كروبي، وتيسير كل عسير، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير لا إله غيره ولا خير إلا خيره، فأقول: استفتح المصنف رحمه الله تعالى كتابه بقوله:

( بسم الله الرحمن الرحيم ) .

لما أن نسبتها من متلو الكتب نسبة أم القرآن من القرآن فحسن مراعاة اقترانها بالأقوال والأفعال في سائر الأحيان، وكما أنها أفادت نسبة الأمور كلها إليه سبحانه وحده، أفادت أنه الإله وحده، وذلك هو إجمال تفصيل ما في الكتاب، وبها يتم سر أسرار الخطاب، ولما كان اسم الجلالة علما، وكان جامعا لمعاني الأسماء الحسنى أعقبه بالرحمن من حيث إنه كالعلم في أنه لا يوصف به غيره، ومن حيث إنه أبلغ من الرحيم فأولى الأبلغ، وذلك موافق لترتيب الوجود والإيجاد، ثم النعم العامة ثم النعم الخاصة، وفي ذكر الوصفين ترغيب، وطويت النقمة في إفهام اختصاص الثاني لتمام الترغيب بلا إشارة الترهيب .

والمراد بهما هنا أنه سبحانه يستحق الاتصاف بهما لذاته، وفيهما الدلالة على سائر الصفات الحسنى; لأن من عمت رحمته امتنع أن يكون فيه شوب نقص، ولما كانت البسملة نوعا من الحمد ناسب كل المناسبة تعقيبها باسم الحمد الكلي الجامع لجميع أفراده، فقال: (الحمد لله) ، وهو المستحق للمحامد كلها لا غيره (الذي امتن) يقال: من عليه، وامتن وامتنه أيضا بمعنى واحد (عباده) المضافين إليه بالعبودية المحضة (بنبيه المرسل) أي: بإرسال هذا النبي الكريم، وقد أشار بذلك أنه تعالى جمع له بين مقامي النبوة والرسالة، والنبوة سفارة بين الله وبين ذوي العقول من عبيده لإزاحة عللهم في معاشهم ومعادهم، والنبي سمي به لكونه منبئا بما تسكن إليه العقول الزكية، ويصح كونه فعيلا بمعنى فاعل، وكونه بمعنى مفعول، والرسالة من الرسل، وهو الانبعاث على تؤدة .

وقد أرسله الله فهو رسول ومرسل سمي به لتتابع الوحي عليه وهو باعتبار الملائكة أعم من النبي إذ قد يكون من الملائكة، وباعتبار البشر أخص منه إذ الرسول رجل بعثه الله لتبليغ الأحكام، (وكتابه المنزل) ، وهو القرآن (الذي [ ص: 461 ] لا يأتيه الباطل) ضد الحق، وهو ما لا ثبات له من المقال والفعال عند الفحص عنه (من بين يديه، ولا من خلفه) ، أي: هو محفوظ من إتيان الباطل إليه من سائر جهاته (تنزيل من حكيم) ، هو المحكم للأشياء، وموجدها على غاية الأحكام (حميد) هو المحمود الفعال فالتنزيل إذا كان من عند من هذه صفاته، كيف يأتيه الباطل ؟ وفيه الاقتباس من قوله تعالى: وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل الآية، والكلام في الفرق بين الإنزال والتنزيل مشهور لا نطيل به (حتى اتسعت على أهل الافتكار) الصحيح (طريق الاعتبار) ، وهي الحالة التي يتوصل بها من معرفة الشاهد إلى غيره .

وقيل: هو التدبر، وقياس ما غاب على ما ظهر (بما فيه من القصص والأخبار) من سوالف الأعصار، قال تعالى إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار في آي كثيرة تلوح إلى ذلك (واتضح به سلوك المنهج) هو الطريق الواضح (القويم) المعتدل الذي لا اعوجاج فيه، (وهدي به الصراط المستقيم) ، وهو الطريق الحق الواضح المعتدل (بما فصل فيه من الأحكام) الإلهية، (وفرق به بين الحلال والحرام) فيه تخصيص بعد تعميم (فهو الضياء والنور) ، هما مترادفان، وقيل: الضياء أخص من النور، وتقدم ذلك في أوائل كتاب العلم .

وقال بعضهم: النور هو الضوء المنتشر الذي يعين على الإبصار، وهنا قاعدة نذكرها، وهي أنهم قالوا: إن نفي العام يدل على نفي الخاص وثبوته لا يدل على ثبوته، وثبوت الخاص يدل على ثبوت العام، ونفيه لا يدل على نفيه، ولا شك أن زيادة المفهوم من اللفظ توجد الالتذاذ به .

فلذلك كان نفي العام أحسن من نفي الخاص، وإثبات الخاص أحسن من إثبات العام، فالأول كقوله فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم ولم يقل بضوئهم بعد قوله أضاءت; لأن النور أعم من الضوء إذ يقال على القليل والكثير، وإنما يقال الضوء على الكثير من النور، ولذلك قال: هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ففي الضوء دلالة على النور فهو أخص منه فعدمه يوجب عدم الضوء بخلاف العكس، والقصد إزالة النور عنهم أصلا، ولذا قال عقب تركهم في ظلمات .

والثاني كقوله وجنة عرضها السماوات والأرض ولم يقل: وطولها; لأن العرض أخص إذ كل ما له عرض له طول ولا عكس، والله أعلم .

(وبه النجاة من الغرور) وهو كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشيطان وفسر أيضا بالدنيا; لأنها تغر وتمد وتضر، وأصل الغرور سكون النفس إلى ما يوافق الهوى، ويميل إليه الطبع، (وفيه شفاء لما في الصدور) من سائر أمراضها وعللها الخفية من الوساوس والأوهام والخطرات والشكوك (من خالفه) ، أي أحكامه بأن لم يعمل بموجبها (من الجبابرة) ، جمع جبار، قال الخطابي: جبر خلقه على ما أراد من أمره ونهيه يقال: جبره وأجبره بمعنى (قصمه الله) ، أي: كسر ظهره إذ القصم يستعمل في كسر الشيء طولا .

(ومن ابتغى العلم) ، أي: طلبه (في غيره) ظنا منه بأنه ليس فيه (أضله الله) ، أي: أطمه في هوة الضلال والخسران، (وهو حبل الله المتين) أي: القوي، فمن تعلق به وصل وبالحق اتصل، (ونوره المبين) أي: الظاهر الواضح، (والعروة) بالضم ما تشد به القباب ونحوها بتداخلها بعضها في بعض دخولا لا ينقصم بعضه عن بعض إلا بقصم طرفه إذا قصمت منه عروة انقصم جميعه، (الوثقى) فعلى للمبالغة من الوثوق ليشد باستيثاقه ما يخاف وهنه سماه بها على التشبيه بالعروة التي يستمسك بها، وليستوثق، ومنه الحديث، وذلك أوثق عرا الإيمان (والمعتصم) على صيغة اسم المفعول الموضع الذي يعتصم ويلتجأ إليه (الأوقى) أفعل من الوقاية، وهي الحفظ .

وروى البيهقي عن رجل من الصحابة لم يسم رفعه: القرآن هو النور المبين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، (وهو المحيط بالقليل والكثير والصغير والكبير) لقوله تعالى: ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين (لا ينقضي) على ممر الدهور (عجائبه) لكثرتها (ولا تتناهى) ما كرت العصور (غرائبه) ، أي: نوادره الغريبة لا يعرفها إلا من يمارسها، ويغوص في تيارها (لا يحيط بفوائده) جمع فائدة: وهي ما استفيدت من طريقة مال هذا هو الأصل، ثم استعير منه في فائدة العلم والأدب (عند أهل الفهم) .

وفي نسخة: العلم (تحديد [ ص: 462 ] ولا يخلقه) أي لا يبليه (عند أهل التلاوة) له (كثرة الترديد) ، بل يزداد جدة، كلما ردد فيه (فهو الذي أرشد) ، وفي نسخة أعيا (الأولين والآخرين) ، أي: أرشدهم إلى الصواب، وسلموا من طرق الضلال والعناد، وعلى النسخة المذكورة معناه أعياهم فهم معانيه الخفية، (ولما سمعه) ، أي: القرآن نفر من (الجن) من وفد نصيبين قيل كانوا سبعة .

وروي ذلك عن ابن عباس، وقيل: تسعة، رواه عاصم عن زر بن حبيش، (لم يلبثوا أن ولوا إلى قومهم) انصرفوا (منذرين) مخوفين داعين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس: جعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا إلى قومهم، وهو قوله تعالى في سورة الأحقاف وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم .

وقال في سورة الجن: قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن (فقالوا إنا سمعنا قرآنا) أي كتابا ( عجبا ) أي بديعا مباينا لكلام الناس في حسن نظمه ودقة معناه، وهو مصدر وصف به للمبالغة ( يهدي إلى الرشد ) ، أي الحق والصواب ( فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ) على ما نطق به الدلائل القاطعة على التوحيد .

وروى البخاري في صحيحه، فقال: حدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء فأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم ؟ قالوا: قد حيل بيننا وبين خبر السماء، فأرسلت علينا الشهب، فقالوا: ما حال بينكم وبينها إلا شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، قالوا: يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا فأنزل الله على نبيه، قل أوحي إلي، وإنما أوحي قول الجن .

وقال مسلم في صحيحه، حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا داود بن أبي هند، عن عامر، قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ؟ فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود، هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ؟ فقالوا: لا، ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ففقدناه فالتمسناه من الأدوية والشعاب، فقلنا: استطير أو اغتيل، قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء، قال: فقلنا يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشر ليلة بات بها قوم قال: أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت القرآن فانطلق بنا فأرانا آثارهم، وآثار نيرانهم. .. الحديث .

ورواه كذلك عن علي بن حجر، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود بهذا الإسناد، قال الشعبي: وسألوه الزاد، وكانوا من جن الجزيرة.

وروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي زياد بن كعب القرظي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعا إلى مكة حين يئس من خير ثقيف حتى إذا كان بنخلة قام في جوف الليل يصلي فمر به نفر من الجن أهل نصيبين اليمن فاستمعوا له فلما فرغ من صلاته، ولوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا فأجابوا لما سمعوا فقص الله خبرهم عليه، فقال: وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن الآية.

قال البغوي في تفسيره: وروي أنهم لما رجموا بالشهب بعث إبليس سراياه ليعرف الخبر، فكان أول بعث بعث ركبا من أهل نصيبين، وهم أشراف الجن وساداتهم فبعثهم إلى تهامة، وقال أبو حمزة السمالي بلغنا أنهم من بني الشيعبان، وهم أكثر الجن عددا، وهم عامة جنود إبليس فلما رجعوا قالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا (فكل من آمن به فقد وفق) في أحواله، (ومن قال به فقد صدق) في أقواله (ومن تمسك به فقد هدي) إلى الاستقامة، (ومن عمل به فقد فاز) فوزا أبديا إلى يوم القيامة، ثم إن هذا السياق الذي [ ص: 463 ] أورده المصنف بعد سياق جملة الحمد من غير أن يتبعها بالصلاة والسلام على نبيه صلى الله عليه وسلم، كما جرت به عادته وعادات المصنفين، إما نسيانا منه أو اكتفاء بما صلى به وسلم في نفسه، منتزع من حديث علي - رضي الله عنه - وهو ما أورده صاحب القوت من حديث علي - رضي الله عنه - على ما سيأتي للمصنف في أواخر الباب الثالث من هذا الكتاب، (قال الله عز وجل: إنا نحن نزلنا الذكر ) بنون العظمة في الموضعين مع ضمير المتكلم مع الغير إشارة إلى فخامة أمره، وعظم شأنه والمراد بالذكر القرآن .

وقد سمى الله إياه بالذكر في عدة مواضع منها هذا، ومنها قوله: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ( وإنا له لحافظون) أي من التغيير والتبديل وتحريف المبطلين، وقال مجاهد: وإنا له لحافظون، أي: عندنا .

رواه ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وقال قتادة: أي من إبليس فلا يستطيع أن يزيد فيه باطلا، ولا ينقص منه حقا حفظه الله من ذلك رواه عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم (ومن أسباب حفظه في القلوب والمصاحف استدامة تلاوته) ، أي: قراءته (والمواظبة على دارسته) ، أي مدارسته مع غيره بالمناوبة كما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه السلام (بآدابه) المعلومة، (وشروطه) التي لا بد منها، والمحافظة (على ما فيه من الأعمال الباطنة والآداب الظاهرة وذلك لابد من بيانه وتفصيله) والكشف عن مظانه، (وتتكشف مقاصده في أربعة أبواب الباب الأول) منها (في) بيان (فضل القرآن وأهله) ، أي: حملته، وما فيه وفيهم من الأحاديث والآثار عن السلف .

(الباب الثاني في آداب التلاوة في الظاهر)

وفيه من آثار السلف (الباب الثالث في الأعمال الباطنة عند التلاوة) التي هي كالروح لها، (الباب الرابع في فهم القرآن وتفسيره بالرأي وغيره) ، وما فيه من اختلاف الأقوال عند العلماء .




الخدمات العلمية