الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ( ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ( 109 ) ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ( 110 ) ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ( 111 ) ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ( 112 ) ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ( 113 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ( 114 ) )

                                                                                                                                                                                                                                      ( ها أنتم هؤلاء ) أي : يا هؤلاء ، ( جادلتم ) أي : خاصمتم ، ( عنهم ) يعني : عن طعمة ، وفي قراءة أبي بن كعب : عنه ( في الحياة الدنيا ) والجدال : شدة المخاصمة من الجدل ، وهو شدة الفتل ، فهو يريد فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج ، وقيل : الجدال من الجدالة ، وهي الأرض ، فكأن كل واحد من الخصمين يروم قهر صاحبه وصرعه على الجدالة ، ( فمن يجادل الله عنهم ) يعني : عن طعمة ، ( يوم القيامة ) إذا أخذه الله بعذابه ، ( أم من يكون عليهم وكيلا ) كفيلا أي : من الذي يذب عنهم ، ويتولى أمرهم يوم القيامة؟ ثم استأنف فقال :

                                                                                                                                                                                                                                      ( ومن يعمل سوءا ) يعني السرقة ، ( أو يظلم نفسه ) برميه البريء ، وقيل : ومن يعمل سوءا أي : شركا أو يظلم نفسه : يعني : إثما دون الشرك ، ( ثم يستغفر الله ) أي : يتب إليه ويستغفره ، ( يجد الله غفورا رحيما ) يعرض التوبة على طعمة في هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      ( ومن يكسب إثما ) يعني : يمين طعمة بالباطل ، أي : ما سرقته إنما سرقه اليهودي ( فإنما يكسبه على نفسه ) فإنما يضر به نفسه ، ( وكان الله عليما ) بسارق الدرع ( حكيما ) حكم بالقطع على السارق .

                                                                                                                                                                                                                                      ( ومن يكسب خطيئة ) أي : سرقة الدرع ، ( أو إثما ) يمينه الكاذبة ، ( ثم يرم به ) أي : يقذف بما جنى ( بريئا ) منه وهو نسبة السرقة إلى اليهودي ( فقد احتمل بهتانا ) البهتان : هو البهت ، وهو الكذب الذي يتحير في عظمه ، ( وإثما مبينا ) أي : ذنبا بينا ، وقوله ( ثم يرم به ) ولم يقل بهما بعد ذكر الخطيئة والإثم ، رد الكناية إلى الإثم ، أو جعل الخطيئة والإثم كالشيء الواحد .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( ولولا فضل الله عليك ورحمته ) يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : ( لهمت ) لقد همت أي : [ ص: 286 ] أضمرت ، ( طائفة منهم ) يعني : قوم طعمة ، ( أن يضلوك ) يخطئوك في الحكم ويلبسوا عليك الأمر حتى تدافع عن طعمة ، ( وما يضلون إلا أنفسهم ) يعني يرجع وباله عليهم ، ( وما يضرونك من شيء ) يريد أن ضرره يرجع إليهم ، ( وأنزل الله عليك الكتاب ) يعني : القرآن ، ( والحكمة ) يعني : القضاء بالوحي ( وعلمك ما لم تكن تعلم ) من الأحكام ، وقيل : من علم الغيب ، ( وكان فضل الله عليك عظيما ) .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( لا خير في كثير من نجواهم ) يعني : قوم طعمة ، وقال مجاهد : الآية عامة في حق جميع الناس ، والنجوى : هي الإسرار في التدبير ، وقيل : النجوى ما ينفرد بتدبيره قوم سرا كان أو جهرا ، فمعنى الآية : لا خير في كثير مما يدبرونه بينهم ، ( إلا من أمر بصدقة ) أي : إلا في نجوى من أمر بصدقة ، فالنجوى تكون فعلا وقيل : هذا استثناء منقطع ، يعني : لكن من أمر بصدقة ، وقيل النجوى هاهنا : الرجال المتناجون ، كما قال الله تعالى " وإذ هم نجوى " ( الإسراء - 47 ) . ( إلا من أمر بصدقة ) أي : حث عليها ، ( أو معروف ) أي : بطاعة الله وما يعرفه الشرع ، وأعمال البر كلها معروف ، لأن العقول تعرفها .

                                                                                                                                                                                                                                      ( أو إصلاح بين الناس ) أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا محمد بن حماد ، أنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن سالم هو ابن أبي الجعد ، عن أم الدرداء رضي الله عنها ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة " ؟ قال : قلنا بلى ، قال : " إصلاح ذات البين . وفساد ذات البين هي الحالقة " .

                                                                                                                                                                                                                                      أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ، أنا إسماعيل [ ص: 287 ] ابن محمد الصفار ، أنا أحمد بن منصور الرمادي ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أمه أم كلثوم بنت عقبة ، وكانت من المهاجرات الأول ، قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس بالكذاب من أصلح بين الناس فقال خيرا أو نمى خيرا " .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ( ومن يفعل ذلك ) أي : هذه الأشياء التي ذكرها ، ( ابتغاء مرضاة الله ) أي : طلب رضاه ، ( فسوف نؤتيه ) في الآخرة ، ( أجرا عظيما ) قرأ أبو عمرو وحمزة ( يؤتيه ) بالياء ، يعني : يؤتيه الله ، وقرأ الآخرون بالنون .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية