الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2112 [ ص: 562 ] 104 - باب: بيع التصاوير التي ليس فيها روح وما يكره من ذلك 2225 - حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، حدثنا يزيد بن زريع ، أخبرنا عوف ، عن سعيد بن أبي الحسن قال : كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال : يا أبا عباس ، إني إنسان ، إنما معيشتي من صنعة يدي ، وإني أصنع هذه التصاوير . فقال ابن عباس : لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ، سمعته يقول : " من صور صورة فإن الله معذبه ، حتى ينفخ فيها الروح ، وليس بنافخ فيها أبدا" . فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه . فقال : ويحك إن أبيت إلا أن تصنع ، فعليك بهذا الشجر ، كل شيء ليس فيه روح . قال أبو عبد الله : سمع سعيد بن أبي عروبة من النضر بن أنس هذا الواحد . [5963 ، 7042 - مسلم: 2110 - فتح: 4 \ 416]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عوف ، عن سعيد بن أبي الحسن قال : كنت عند ابن عباس إذ أتاه رجل فقال : يا أبا عباس ، إني إنسان ، إنما معيشتي من صنعة يدي ، وإني أصنع هذه التصاوير . فقال ابن عباس : لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، سمعته يقول : "من صور صورة فإن الله معذبه ، حتى ينفخ فيها الروح ، وليس بنافخ فيها أبدا" . فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه . فقال : ويحك إن أبيت إلا أن تصنع ، فعليك بهذا الشجر ، وكل شيء ليس فيه روح . قال أبو عبد الله : سمع سعيد بن أبي عروبة من النضر بن أنس هذا الواحد .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              هذه الطريقة أعني : طريقة سعيد ، أخرجها البخاري في كتاب اللباس عن عياش ، عن عبد الأعلى ، عن سعيد : سمعت النضر [ ص: 563 ] يحدث قتادة قال : كنت عند ابن عباس فذكره وروي عن هشام فيه ، فأدخل بين سعيد والنضر قتادة .

                                                                                                                                                                                                                              قال الجياني : ليس بشيء ; لتصريح البخاري وغيره بسماع سعيد من النضر هذا الحديث وحده وعند مسلم أيضا عن أبي غسان وأبي موسى ، عن معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن النضر مثله .

                                                                                                                                                                                                                              وسعيد بن أبي الحسن هو أخو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري مات قبل الحسن ، قال ابن سعد : مات سنة مائة ، ومات الحسن : بعده بعشر . وقال ابن قانع : بتسع ، وليس لسعيد هذا في الصحيحين غيره ، ولا للنضر عن ابن عباس فيهما غيره .

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف في باب : آكل الربا حديث أبي جحيفة في لعن المصورين ، وفي مسلم : "كل مصور في النار ، يجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم" .

                                                                                                                                                                                                                              إذا تقرر ذلك : فإنما كره هذا ; لأجل أن الصور التي فيها الأرواح كانت معبودة في الجاهلية ، فكرهت كل صورة وإن كانت لا روح لها ولا جسم ; قطعا للذريعة ، حتى إذا تقررت الشريعة وزالت الجاهلية أرخص فيما كان رقما أو ما وضع موضع المهنة ، وإذا نصب نصب العبادة كره ، قاله المهلب .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 564 ] وقال النووي : كل ذلك حرام ، وما لا روح فيه فليس بحرام ، وإليه ذهب الثوري وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين .

                                                                                                                                                                                                                              وقال بعض السلف : إنما ينهى عما كان له ظل ، ولا بأس بالصور التي لا ظل لها ، وهو مذهب باطل . وقال الزهري : النهي عن الصورة عام . وقال آخرون : يجوز منها ما كان رقما في ثوب ، وهو مذهب القاسم بن محمد .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : وكأن البخاري فهم من قوله في الحديث : (إنما معيشتي من صنعة يدي) ، وأجابه ابن عباس بإباحة صور الشجر وشبهه جواز البيع ، فترجم عليه .

                                                                                                                                                                                                                              واغتفر بعض العلماء تصوير اللعب للبنات ; لأجل تدريبهن . قال القاضي عياض : أجمعوا على منع ما كان له ظل ووجوب تغييره ، إلا ما ورد في اللعب (النيات) لصغار البنات ، والرخصة في ذلك ، وكره مالك شرى الرجل ذلك لابنته ، وادعى بعضهم أن إباحة اللعب بهن للبنات منسوخ ، واستثنى بعض أصحاب مالك -كما حكاه القرطبي- من ذلك ، ما لا يبقى كصور الفخار والشمع وما شاكل ذلك ، وهو مطالب بدليل التخصيص ، وكانت الجاهلية تعمل أصناما من العجوة حتى إن بعضهم جاع فأكل صنمه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 565 ] وقوله : ("وليس بنافخ") يؤخذ منه جواز التكليف بما لا يقدر عليه ، وليس مقصود الحديث التكليف ، وإنما القصد منه تعذيب المكلف ، وإظهار عجزه عما تعاطاه مبالغة في توبيخه وإظهار قبح فعله ، كما نبه عليه القرطبي .

                                                                                                                                                                                                                              قال القاضي عياض : ومذهب العلماء كافة في الشجر ونحوه لا يحرم ، إلا ما روي عن مجاهد فإنه جعل الشجرة المثمرة من المكروه ، ولم يقله غيره .

                                                                                                                                                                                                                              قال الطحاوي : ولما أبيحت التماثيل بعد قطع رءوسها الذي لو قطع من ذي الروح لم يبق ، دل ذلك على إباحة تصوير ما لا روح فيه ، وعلمنا أن الثياب المستثناة هي المبسوطة لا ما سواها من الثياب المعلقة والملبوسة ، وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه ، وسيكون لنا عودة إلى ذلك في الصور في كتاب : الزينة إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة :

                                                                                                                                                                                                                              قوله : (فربا الرجل ربوة شديدة) أي : ذعر وامتلأ خوفا : قاله صاحب "المطالع" . وقال صاحب "العين" : يقال : ربا الرجل أصابه نفس في جوفه ، وهو الربو والربوة والربوة أي : بفتح الراء وكسرها وهو نهيج ونفس متواتر . قال ابن التين : معناه انتفخ كأنه حجل من ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 566 ] فائدة أخرى :

                                                                                                                                                                                                                              صح أن أشد الناس يوم القيامة عذابا المصور ، ومقتضاه : أن لا يكون في النار أحد يزيد عذابه على عذابه ، وظاهره مخالفة قوله تعالى : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [غافر : 46] وقوله - عليه السلام - : "أشد الناس عذابا عالم لم ينفعه الله تعالى بعلمه" وقوله : "أشد الناس عذابا يوم القيامة إمام ضلالة" في إشباه لذلك ولا مخالفة ; لأن الناس الذين أضيف إليهم "أشد" لا يراد بهم كل نوع الناس ، بل بعضهم المشاركون في ذلك المعنى المتوعد عليه بالعذاب ، ففرعون أشد المدعين للإلهية عذابا . ومن يقتدى به في ضلالة كفره ، أشد ممن يقتدى به في ضلالة بدعة ، ومن صور صورا ذات أرواح أشد عذابا ممن يصور ما ليس بذي روح ، فيجوز أن يعني بالمصورين : الذين يصورون الأصنام للعبادة ، كما كانت الجاهلية تفعل ، وكما تفعل [ ص: 567 ] النصارى ، فإن عذابهم يكون أشد ممن يصورها لا للعبادة .

                                                                                                                                                                                                                              ونبه على ذلك القرطبي . وقد يقال : أشد عذابا بالنسبة إلى هذه الأمة لا إلى غيرها من الكفار ، فإن صورها لتعبد أو لمضاهاة خلق الله فهو خارج عن الملة ، فلذلك زيد في عذابه .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية