الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              جماع أبواب مرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووفاته

                                                                                                                                                                                                                              الباب الأول في كثرة أمراضه- صلى الله عليه وسلم-

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو يعلى بسند جيد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : كان عرق الكلية وهي الخاصرة تأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شهرا ما يستطيع أن يخرج للناس ، ولقد رأيته يكرب حتى آخذ بيده فأتفل فيها بالقرآن ثم أكبها على وجهه ألتمس بذلك بركة القرآن وبركة يد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأقول يا رسول الله إنك مجاب الدعوة فادع الله يفرج عنك ما أنت فيه فيقول : «يا عائشة أنا أشد الناس بلاء» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن السني ، وأبو نعيم عنها : «أن الخاصرة كانت تنهز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فكنا ندعوها عرق الكلية» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى - بسند ضعيف عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : «مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من ذات الجنب» .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ بهاء الدين محمد بن أبي بكر البوصيري في «إتحاف المهرة» إنه حديث منكر فقد ثبت في الصحيح أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : «ذلك ما كان الله يعذبني به» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم وصححه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كانت تأخذه الخاصرة فيشتد به جدا فاشتدت به حتى أغمي عليه وفزع الناس إليه فظننا أن به ذات الجنب فلددناه ثم سري عن النبي- صلى الله عليه وسلم- وأفاق فعرف أنه قد لد فقال : «ظننتم أن الله قد سلطها علي ما كان ليفعل إنها من الشيطان وما كان الله ليسلطه علي» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري وابن سعد والحاكم وابن جرير عن عائشة وابن سعد عن أم سلمة وابن سعد عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه- قالوا : «كانت تأخذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الخاصرة فاشتدت به فأغمي عليه حتى ظننا أنه قد مات فلددناه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا : كراهية المريض للدواء فلما أفاق . قال : «ألم أنهكم أن تلدوني» .

                                                                                                                                                                                                                              - وفي لفظ- «أما إنكم لددتموني وأنا صائم» ثم قال : «أكنتم ترون أن الله يسلط علي [ ص: 228 ] ذات الجنب ما كان الله ليجعل لها علي سلطانا إن ذات الجنب من الشيطان والله لا يبقى في البيت أحد إلا لد وأنا أنظر ، إلا العباس فإنه لم يشهدكم فما بقي أحد في البيت إلا لد ولددنا ميمونة وهي صائمة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن إسحاق- بسند فيه متهم وهو علي- عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت «تمادى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجعه وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة فاجتمع إليه أهله فقال العباس : إنا لنرى برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات الجنب لألدنه فلدوه وأفاق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : «من فعل هذا ؟ » قالوا : عمك العباس تخوف أن يكون بك ذات الجنب فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «إنها من الشيطان وما كان الله ليسلطه علي لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس» فلد أهل البيت كلهم حتى ميمونة وإنها لصائمة يومئذ وذلك بعين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : ولا منافاة بين حديث أبي يعلى وهذين الحديثين : لأن في ذات الجنب تطلق بإزاء مرضين .

                                                                                                                                                                                                                              أحدهما : ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن .

                                                                                                                                                                                                                              والآخر : ريح محتقن بين الأضلاع ، فالأول هو المنفي هنا ، والثاني هو الذي أثبت في حديث أبي يعلى وليس فيه محذور كالأول .

                                                                                                                                                                                                                              «اللدود» بفتح اللام وبدالين مهملتين أن تجعل الدواء في أحد جانبي الفم ، وكان الذي لدوه به العود الهندي ، والزيت والورس . [ ص: 229 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية