الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل قال أبو بكر : والمنصوص على تحريمه في الكتاب هو الجمع بين الأختين ، وقد وردت آثار متواترة في النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها ، رواه علي وابن عباس وجابر وابن عمر وأبو موسى وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على بنت أخيها ولا على بنت أختها وفي بعضها : لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى .

على اختلاف بعض الألفاظ مع اتفاق المعنى ؛ وقد تلقاها الناس بالقبول مع تواترها واستفاضتها . وهي من الأخبار الموجبة للعلم والعمل ، فوجب استعمال حكمها مع الآية وشذت طائفة من الخوارج بإباحة الجمع بين من عدا الأختين لقوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم وأخطأت في ذلك وضلت عن سواء السبيل ؛ لأن الله تعالى كما قال : وأحل لكم ما وراء ذلكم قال : وما آتاكم الرسول فخذوه

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الجمع بين من ذكرنا ، فوجب أن يكون مضموما إلى الآية ، فيكون قوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم مستعملا فيمن عدا الأختين وعدا من بين النبي صلى الله عليه وسلم تحريم الجمع بينهن . [ ص: 80 ] وليس يخلو قوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم من أن يكون نزل قبل حكم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم من حرم الجمع بينهن أو معه أو بعده ، وغير جائز أن يكون قوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم بعد الخبر ؛ لأن قوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم مرتب على تحريم من ذكر تحريمهن منهن ؛ لأن قوله : ما وراء ذلكم المراد به ما وراء من تقدم ذكر تحريمهن ، وقد كان قبل تحريم الجمع بين الأختين جميع ذلك مباحا .

فعلمنا أن تحريم من ذكر تحريم الجمع بينهن في الخبر لم يكن قبل تحريم الجمع بين الأختين ؛ وإذا امتنع أن يكون الخبر قبل الآية لم يخل من أن يكون معها أو بعدها ، فإن كان معها فلم ترد الآية إلا خاصة فيمن عدا ما ذكر في الخبر تحريم جمعهن ، وعلمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك عقيب تلاوة الآية وبين مراد الله تعالى بها ، فلم يعقل السامعون للآية حكما إلا خاصا على ما بيناه .

وإن كان حكم الآية استقر على مقتضى عموم لفظها ثم ورد الخبر ، فإن هذا لا يكون إلا على وجه النسخ ، ونسخ القرآن جائز بمثله لتواتره واستفاضته وكونه في حيز الأخبار الموجبة للعلم والعمل ، فإن لم يثبت عندنا تاريخ الآية والخبر مع حصول اليقين بأنه غير منسوخ بالآية ؛ لأنه لم يرد قبلها على ما بينا آنفا ، وجب استعماله مع الآية . وأولى الأشياء أن يكون الآية والخبر وردا معا ؛ لأنه ليس عندنا علم بتاريخهما ، وغير جائز لنا الحكم بتأخره عن الآية ونسخ بعض أحكام الآية به ؛ لأن ذلك لا يكون إلا بعد استقرار حكمها ، وليس عندنا علم باستقرار حكم الآية على عمومها ثم ورد النسخ عليها بالخبر ، فوجب الحكم بورودهما معا ؛ ولأن الآية والخبر إذا لم يعلم تاريخهما وجب الحكم بهما معا ، كالغرقى والقوم الذين يقع عليهم البيت إذا لم يعلم موت أحدهم متقدما على الآخر حكمنا بموتهم جميعا معا ؛ والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية