الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا أي جعلنا للأنبياء أعداء كما جعلنا لغيرهم من الناس أعداء. وفي جعلنا وجهان: [ ص: 158 ] أحدهما: معناه حكمنا بأنهم أعداء. والثاني: معناه تركناهم على العداوة ، فلم نمنعهم منها. وفي شياطين الإنس والجن ثلاثة أقاويل: أحدها: يعني شياطين الإنس الذين مع الإنس ، وشياطين الجن الذين مع الجن ، قاله عكرمة ، والسدي . والثاني: شياطين الإنس كفارهم ، وشياطين الجن كفارهم ، قاله مجاهد . والثالث: أن شياطين الإنس والجن مردتهم ، قاله الحسن ، وقتادة . يوحي بعضهم إلى بعض في يوحي ثلاثة أوجه: أحدها: يعني يوسوس بعضهم بعضا. والثاني: يشير بعضهم إلى بعض ، فعبر عن الإشارة بالوحي كقوله: فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا [مريم: 11] و زخرف القول ما زينوه لهم من الشبه في الكفر وارتكاب المعاصي. والثالث: يأمر بعضهم بعضا كقوله: وأوحى في كل سماء أمرها [فصلت: 12] أي أمر. ثم قال: ولو شاء ربك ما فعلوه يحتمل وجهين: أحدهما: ما فعلوه من الكفر. والثاني: ما فعلوا من زخرف القول. وفي تركهم على ذلك قولان: أحدهما: ابتلاء لهم وتمييزا للمؤمنين منهم. والثاني: لا يلجئهم إلى الإيمان فيزول التكليف. [ ص: 159 ] قوله عز وجل: ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة أي تميل إليه قلوبهم ، والإصغاء: الميل ، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        ترى السفيه به عن كل محكمة زيغ وفيه إلى التشبيه إصغاء



                                                                                                                                                                                                                                        وتقدير الكلام ، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ليغروهم ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وقال قوم: بل هي لام أمر ومعناها الخبر. وليرضوه لأن من مال قلبه إلى شيء رضيه وإن لم يكن مرضيا. وليقترفوا ما هم مقترفون فيه وجهان: أحدهما: وليكتسبوا من الشرك والمعاصي ما هم مكتسبون ، قاله جويبر. والثاني: وليكذبوا على الله ورسوله ما هم كاذبون ، وهو محتمل.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية