الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              جماع أبواب غسله وتكفينه ، والصلاة عليه ، ودفنه ، وموضع قبره ، والاستسقاء به وفضل ما بينه وبين المنبر ، وفضل مسجده وحياته في قبره ، وعرض أعمال أمته عليه وحكم تركته زاده الله فضلا وشرفا لديه

                                                                                                                                                                                                                              الباب الأول في غسله- صلى الله عليه وسلم- ومن غسله ، وما وقع في ذلك من الآيات

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : فلما بويع أبو بكر أقبل الناس على جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم الثلاثاء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد ، عن علي ، وأبو داود ومسدد ، وأبو نعيم وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه الذهبي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : لما أرادوا غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- اختلفوا فيه ، فقالوا : والله ما ندري كيف نصنع أنجرد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثيابه كما نجرد موتانا ، أم نغسله وعليه ثيابه ، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم ، حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو أن غسلوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليه ثيابه ، فقاموا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليه قميصه ، فغسلوه يفاض عليه الماء والسدر فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم [فكانت عائشة تقول : لو استقبلت من أمرى ما استدبرت ، ما غسله إلا نساؤه] .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال : لما أخذنا في جهاز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أغلقنا الباب دون الناس جميعا ، فنادت الأنصار : نحن أخواله ، ومكاننا من الإسلام مكاننا . ونادت قريش : نحن عصبته ، فصاح أبو بكر : يا معشر المسلمين ، كل قوم أحق بجنازتهم من غيرهم فننشدكم الله ، فإنكم إن دخلتم أخرتموهم عنه ، والله لا يدخل عليه إلا من دعي .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام الشافعي وابن الجارود وابن حبان وأبو داود والطيالسي وأبو يعلى عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه- قال : لما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : اختلف الذين يغسلونه [ ص: 322 ] فسمعوا قائلا يقول ، لا يدرون من هو : اغسلوا نبيكم وعليه قميصه ، فغسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في قميصه وقالت عائشة : ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا نساؤه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه عن بريدة - رضي الله تعالى عنه- قال : لما أخذوا في غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ناداهم مناد من الداخل أن لا تنزعوا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قميصه .

                                                                                                                                                                                                                              وله طرق كثيرة مرسلة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه عن علي - رضي الله تعالى عنه- قال : غسلت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فذهبت أنظر ما يكون من الميت ، فلم أر شيئا ، وكان طيبا حيا وميتا [وولي دفنه وإخباءه دون الناس أربعة : علي والعباس والفضل ، وصالح مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولحد رسول الله لحدا ، ونصب عليه اللبن نصبا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد والبزار والبيهقي بسند فيه ضعف عنه قال : أوصى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن لا يغسله أحد غيري؛ فإنه لا يرى أحد عورته إلا طمست عيناه .

                                                                                                                                                                                                                              قال علي : فكان الفضل وأسامة يناولان الماء من وراء الستر وهما معصوبا العين .

                                                                                                                                                                                                                              قال علي : فما تناولت عضوا إلا كأنما يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي من طريق أبي معشر عن محمد بن قيس مرسلا وفيه ضعف قال : قال علي : وما كنا نريد أن نرفع منه عضوا لنغسله إلا رفع لنا حتى انتهينا إلى عورته ، فسمعنا من جانب البيت صوتا لا تكشفوا عن عورة نبيكم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن عبد الله بن الحارث : أن عليا غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجعل يقول : طبت حيا وميتا ، وقال : وسطعت ريح طيبة لم يجدوا مثلها قط .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني مثله عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن عبد الواحد بن أبي عون قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لعلي : [ ص: 323 ] «اغسلني إذا مت» فقال : يا رسول الله ، ما غسلت ميتا قط! قال : إنك ستهيأ أو تيسر ، قال علي : فغسلته فما آخذ عضوا إلا تبعني ، والفضل آخذ بحضنه يقول : أعجل يا علي ، انقطع ظهري .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير قال : غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي ، والفضل ، وأسامة بن زيد وشقران ، وولي غسل سفلته علي ، والفضل محتضنه ، وكان العباس وأسامة بن زيد وشقران يصبون الماء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد بسند ضعيف عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- وعن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن العباس لم يحضر غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : لأني كنت أراه يستحي أن أراه حاسرا .

                                                                                                                                                                                                                              وفي عدة أحاديث أنه حضر غسله .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد من طرق عن سعيد بن المسيب قال : التمس علي من النبي- صلى الله عليه وسلم- عند غسله ما يلتمس من الميت فلم يجد شيئا ، فقال : بأبي أنت وأمي ، طبت حيا وميتا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي عن علباء بن أحمر قال : كان علي والفضل يغسلان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فنودي علي : ارفع طرفك إلى السماء .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن ماجه عن علي - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « إذا أنا مت فاغسلوني بسبع قرب من بئر غرس » .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد والبيهقي عن أبي جعفر محمد بن علي قال : غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثا بالسدر ، وغسل وعليه قميص وغسل من بئر يقال لها الغرس [ لسعد بن حيثمة بقباء] وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يشرب منها وولي غسله علي ، والفضل محتضنه ، والعباس يصب الماء ، فجعل الفضل يقول : أرحني ، قطعت وتيني ، إني لأجد شيئا يترطل علي مرتين .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن الشعبي مرسلا قال : غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- علي وأسامة والفضل ابن العباس وكان علي يقول وهو يغسله : بأبي أنت وأمي ، طبت حيا وميتا .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية قال : غسل [ ص: 324 ] علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والعباس قاعد والفضل محتضنه وعلي يغسله وعليه قميص ، وأسامة يختلف .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن إبراهيم قال : غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- العباس ، وعلي ، والفضل- وفي لفظ- والعباس يسترهم .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه عن ابن شهاب ، وزاد : وصالح مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه- قال : اجتمع القوم لغسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وليس في البيت إلا أهله : عمه العباس بن عبد المطلب ، وعلي بن أبي طالب ، والفضل بن عباس ، وقثم بن عباس ، وأسامة بن زيد بن حارثة ، وصالح مولاه . فلما اجتمعوا لغسله نادى مناد من وراء الناس ، وهو أوس بن خولي الأنصاري ، أحد بني عوف بن الخزرج ، وكان بدريا على علي بن أبي طالب فقال : يا علي ننشدك الله وحظنا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال له علي : ادخل ، فدخل ، فحضر غسل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم يل من غسله شيئا ، فأسنده علي إلى صدره ، وعليه قميصه ، وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه مع علي ، وكان أسامة بن زيد ، وصالح مولاه يصبان الماء ، وجعل علي يغسله ولم ير من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا مما يرى من الميت ، وهو يقول : بأبي وأمي ، ما أطيبك حيا وميتا! حتى إذا فرغوا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكان يغسل بالماء والسدر جففوه ، ثم صنع به ما يصنع بالميت .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد والحاكم في «الإكليل» عن هارون بن سعد قال : كان عند علي مسك ، فأوصى أن يحنط به ، وكان علي يقول : هو فضل حنوط رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن إسحاق عن عكرمة - رحمه الله تعالى- قال : لما قبض الله تعالى نبيه- صلى الله عليه وسلم- غسله علي بن أبي طالب ، والفضل بن عباس ، وكان العباس يناولهم الماء من وراء الستر ، ما يمنعني أن أغسله إلا أنا كنا صبيانا نحمل الحجارة في المسجد .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية