الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب المتعة قال الله تعالى : فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة قال أبو بكر : هو عطف على ما تقدم ذكره من إباحة نكاح ما وراء المحرمات في قوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم ثم قال : فما استمتعتم به منهن يعني : دخلتم بهن ، فآتوهن أجورهن كاملة ، وهو كقوله تعالى : وآتوا النساء صدقاتهن نحلة وقوله تعالى : فلا تأخذوا منه شيئا

والاستمتاع هو الانتفاع ، وهو ههنا كناية عن الدخول ، قال الله تعالى : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها يعني تعجلتم الانتفاع بها ، وقال : فاستمتعتم بخلاقكم يعني : بحظكم ونصيبكم من الدنيا ؛ فلما حرم الله تعالى من ذكر تحريمه في قوله : حرمت عليكم أمهاتكم وعنى به نكاح الأمهات ومن ذكر معهن ، ثم عطف عليه [ ص: 95 ] قوله : وأحل لكم ما وراء ذلكم اقتضى ذلك إباحة النكاح فيمن عدا المحرمات المذكورة ، ثم قال : أن تبتغوا بأموالكم محصنين يعني - والله أعلم- : نكاحا تكونوا به محصنين عفائف غير مسافحين ثم عطف عليه حكم النكاح إذا اتصل به الدخول بقوله : فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فأوجب على الزوج كمال المهر . وقد سمى الله المهر أجرا في قوله : فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن فسمى المهر أجرا ، وكذلك الأجور المذكورة في هذه الآية هي المهور .

وإنما سمي المهر أجرا لأنه بدل المنافع وليس ببدل عن الأعيان ، كما سمي بدل منافع الدار والدابة أجرا . وفي تسمية الله المهر أجرا دليل على صحة قول أبي حنيفة فيمن استأجر امرأة فزنى بها أنه لا حد عليه ؛ لأن الله تعالى قد سمى المهر أجرا ، فهو كمن قال : " أمهرك كذا " ؛ وقد روي نحوه عن عمر بن الخطاب . ومثل هذا يكون نكاحا فاسدا ؛ لأنه بغير شهود ؛ وقال تعالى في آية أخرى : ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن

وقد كان ابن عباس يتأول قوله تعالى : فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن على متعة النساء ؛ وروي عنه فيها أقاويل ، روي أنه كان يتأول الآية على إباحة المتعة . ويروى أن في قراءة أبي بن كعب : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن وروي عنه أنه لما قيل له إنه قد قيل فيها الأشعار قال : هي كالمضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير ، فأباحها في هذا القول عند الضرورة . وروي عن جابر بن زيد أن ابن عباس نزل عن قوله في الصرف وقوله في المتعة . وحدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال : حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا ابن بكير عن الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عمار مولى الشريد قال : سألت ابن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح ؟ فقال ابن عباس : لا سفاح ولا نكاح ، قلت : فما هي ؟ قال : المتعة كما قال الله تعالى ، قلت له : هل لها من عدة ؟ قال : نعم ، عدتها حيضة ، قلت : هل يتوارثان ؟ قال : لا .

وحدثنا جعفر بن محمد قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله تعالى : فما استمتعتم به منهن قال : نسختها يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ؛ وهذا يدل على رجوعه عن القول بالمتعة وقد روي عن جماعة من السلف أنها زنا ؛ حدثنا جعفر بن محمد قال : حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا عبد الله بن صالح عن الليث عن عقيل [ ص: 96 ] ويونس عن ابن شهاب عن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل عن ابن عمر أنه سئل عن المتعة فقال : " ذلك السفاح " . وروي عن هشام بن عروة عن أبيه قال : " كان نكاح المتعة بمنزلة الزنا " .

فإن قيل : لا يجوز أن تكون المتعة زنا ؛ لأنه لم يختلف أهل النقل أن المتعة قد كانت مباحة في بعض الأوقات أباحها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبح الله تعالى الزنا قط .

قيل له : لم تكن زنا في وقت الإباحة ، فلما حرمها الله تعالى جاز إطلاق اسم الزنا عليها ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الزانية هي التي تنكح نفسها بغير بينة ، وأيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر ؛ وإنما معناه التحريم لا حقيقة الزنا ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : العينان تزنيان والرجلان تزنيان ، فزنا العين النظر وزنا الرجلين المشي ، ويصدق ذلك كله الفرج أو يكذبه ؛ فأطلق اسم الزنا في هذه الوجوه على وجه المجاز ؛ إذ كان محرما ؛ فكذلك من أطلق اسم الزنا على المتعة فإنما أطلقه على وجه المجاز وتأكيد التحريم . وحدثنا جعفر بن محمد قال : حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا حجاج عن شعبة عن قتادة قال : سمعت أبا نضرة يقول : كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها ؛ قال : فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال : على يدي دار الحديث ، تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قام عمر قال : إن الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء ، فأتموا الحج والعمرة كما أمر الله وانتهوا عن نكاح هذه النساء ، لا أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته " فذكر عمر الرجم في المتعة ؛ وجائز أن يكون على جهة الوعيد والتهديد لينزجر الناس عنها . وقال : وحدثنا أبو عبيد قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج قال : أخبرني عطاء قال : سمعت ابن عباس يقول : " رحم الله عمر ، ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم الله بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولولا نهيه لما احتاج إلى الزنا إلا شقي " . فالذي حصل من أقاويل ابن عباس القول بإباحة المتعة في بعض الروايات من غير تقييد لها بضرورة ولا غيرها .

والثاني : أنها كالميتة تحل بالضرورة . والثالث : أنها محرمة ؛ وقد قدمنا ذكر سنده وقوله أيضا إنها منسوخة .

ومما يدل على رجوعه عن إباحتها ما روى عبد الله بن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث أن بكير بن الأشج حدثه : أن أبا إسحاق مولى بني هاشم حدثه : أن رجلا سأل ابن عباس فقال : كنت في سفر ومعي جارية لي ولي أصحاب فأحللت جاريتي لأصحابي يستمتعون منها ؟ فقال : [ ص: 97 ] " ذاك السفاح " فهذا أيضا يدل على رجوعه . وأما احتجاج من احتج فيها بقوله تعالى : فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن وأن في قراءة أبي : " إلى أجل مسمى " فإنه لا يجوز إثبات الأجل في التلاوة عند أحد من المسلمين ، فالأجل إذا غير ثابت في القرآن ، ولو كان فيه ذكر الأجل لما دل أيضا على متعة النساء ؛ لأن الأجل يجوز أن يكون داخلا على المهر ، فيكون تقديره : فما دخلتم به منهن بمهر إلى أجل مسمى فآتوهن مهورهن عند حلول الأجل . وفي فحوى الآية من الدلالة على أن المراد النكاح دون المتعة ثلاثة أوجه :

أحدها أنه عطف على إباحة النكاح في قوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم وذلك إباحة لنكاح من عدا المحرمات لا محالة ؛ لأنهم لا يختلفون أن النكاح مراد بذلك ، فوجب أن يكون ذكر الاستمتاع بيانا لحكم المدخول بها بالنكاح في استحقاقها لجميع الصداق .

والثاني : قوله تعالى : محصنين والإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح ؛ لأن الواطئ بالمتعة لا يكون محصنا ولا يتناوله هذا الاسم ، فعلمنا أنه أراد النكاح .

والثالث : قوله تعالى : غير مسافحين فسمى الزنا سفاحا لانتفاء أحكام النكاح عنه من ثبوت النسب ووجوب العدة وبقاء الفراش ، إلى أن يحدث له قطعا ؛ ولما كانت هذه المعاني موجودة في المتعة كانت في معنى الزنا ، ويشبه أن يكون من سماها سفاحا ذهب إلى هذا المعنى ؛ إذ كان الزاني إنما سمي مسافحا لأنه لم يحصل له من وطئها فيما يتعلق بحكمه إلا على سفح الماء باطلا من غير استلحاق نسب به ؛ فمن حيث نفى الله تعالى بما أحل من ذلك وأثبت به الإحصان اسم السفاح وجب أن لا يكون المراد بالاستمتاع هو المتعة إذ كانت في معنى السفاح ، بل المراد به النكاح . وقوله تعالى : غير مسافحين شرط في الإباحة المذكورة .

وفي ذلك دليل على النهي عن المتعة ؛ إذ كانت المتعة في معنى السفاح من الوجه الذي ذكرنا . قال أبو بكر : فكان الذي شهر عنه إباحة المتعة من الصحابة عبد الله بن عباس واختلفت الروايات عنه مع ذلك ، فروي عنه إباحتها بتأويل الآية ، وقد بينا أنه لا دلالة في الآية على إباحتها ، بل دلالات الآية ظاهرة في حظرها وتحريمها من الوجوه التي ذكرنا . ثم روي عنه أنه جعلها بمنزلة الميتة ولحم الخنزير والدم وأنها لا تحل إلا لمضطر ؛ وهذا محال لأن الضرورة المبيحة للمحرمات لا توجد في المتعة ، وذلك لأن الضرورة المبيحة للميتة والدم هي التي يخاف معها تلف النفس إن لم يأكل .

وقد علمنا أن الإنسان لا يخاف على نفسه ولا على شيء [ ص: 98 ] من أعضائه التلف بترك الجماع وفقده ، وإذا لم تحل في حال الرفاهية والضرورة لا تقع إليها فقد ثبت حظرها واستحال قول القائل إنها تحل عند الضرورة كالميتة والدم ، فهذا قول متناقض مستحيل ؛ وأخلق بأن تكون هذه الرواية عن ابن عباس وهما من رواتها ؛ لأنه كان رحمه الله أفقه من أن يخفى عليه مثله ؛ فالصحيح إذا ما روي عنه من حظرها وتحريمها وحكاية من حكى عنه الرجوع عنها .

والدليل على تحريمها قوله تعالى : والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون فقصر إباحة الوطء على أحد هذين الوجهين وحظر ما عداهما بقوله تعالى : فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والمتعة خارجة عنهما فهي إذا محرمة .

فإن قيل : ما أنكرت أن تكون المرأة المستمتع بها زوجة وأن المتعة غير خارجة عن هذين الوجهين اللذين قصر الإباحة عليهما ؟ قيل له : هذا غلط ؛ لأن اسم الزوجة إنما يقع عليها ويتناولها إذا كانت منكوحة بعقد نكاح ، وإذا لم تكن المتعة نكاحا لم تكن هذه زوجة .

فإن قيل : ما الدليل على أن المتعة ليست بنكاح ؟ قيل له : الدليل على ذلك أن النكاح اسم يقع على أحد معنيين : وهو الوطء والعقد ، وقد بينا فيما سلف أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد ، وإذا كان الاسم مقصورا في إطلاقه على أحد هذين المعنيين وكان إطلاقه في العقد مجازا على ما ذكرنا ووجدناهم أطلقوا الاسم على عقد تزويج مطلق أنه نكاح ولم نجدهم أطلقوا اسم النكاح على المتعة فلا يقولون إن فلانا تزوج فلانة إذا شرط التمتع بها ، لم يجز لنا إطلاق اسم النكاح على المتعة ، ؛ إذ المجاز لا يجوز إطلاقه إلا أن يكون مسموعا من العرب أو يرد به الشرع ، فلما عدمنا إطلاق اسم النكاح على المتعة في الشرع واللغة جميعا وجب أن تكون المتعة ما عدا ما أباحه الله وأن يكون فاعلها عاديا ظالما لنفسه مرتكبا لما حرمه الله وأيضا فإن النكاح له شرائط قد اختص بها متى فقدت لم يكن نكاحا ؛ منها أن مضي الوقت لا يؤثر في عقد النكاح ولا يوجب رفعه ، والمتعة عند القائلين بها توجب رفع النكاح بمضي المدة . ومنها أن النكاح فراش .

يثبت به النسب من غير دعوة ، بل لا ينتفي الولد المولود على فراش النكاح إلا باللعان ؛ والقائلون بالمتعة لا يثبتون النسب منه ، فعلمنا أنها ليست بنكاح ولا فراش . ومنها أن الدخول بها على النكاح يوجب العدة عند الفرقة ، والموت يوجب العدة دخل بها أو لم يدخل ، قال الله تعالى : [ ص: 99 ] والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا والمتعة لا توجب عدة الوفاة ، وقال تعالى : ولكم نصف ما ترك أزواجكم ولا توارث عندهم في المتعة . فهذه هي أحكام النكاح التي يختص بها ، إلا أن يكون هناك رق أو كفر يمنع التوارث ؛ فلما لم يكن في المتعة مانع من الميراث من أحدهما بكفر أو رق ولا سبب يوجب الفرقة ولا مانع من ثبوت النسب مع كون الرجل ممن يستفرش ويلحقه الأنساب لفراشه ، ثبت بذلك أنها ليست بنكاح ؛ فإذا خرجت عن أن تكون نكاحا أو ملك يمين كانت محرمة بتحريم الله إياها في قوله : فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون

فإن قيل : انقضاء المدة الموجبة للبينونة هو الطلاق . قيل له : إن الطلاق لا يقع إلا بصريح لفظ أو كناية ، ولم يكن منه واحد منهما ، فكيف يكون طلاقا ومع ذلك فيجب على أصل هذا القائل أن لا تبين لو انقضت المدة وهي حائض ؛ لأن القائلين بإباحة المتعة لا يرون طلاق الحائض جائزا ، فلو كانت البينونة الواقعة بمضي المدة طلاقا لوجب أن لا يقع في حال الحيض ، فلما أوقعوا البينونة الواقعة بمضي الوقت وهي حائض دل ذلك على أنه ليس بطلاق وإن كانت تبين بغير طلاق ، ولا سبب من قبل الزوج يوجب الفرقة ، ثبت أنها ليست بنكاح .

فإن قيل على ما ذكرنا من نفي النسب والعدة والميراث : ليس انتفاء هذه الأحكام بمانع من أن تكون نكاحا ؛ لأن الصغير لا يلحق به نسب ويكون نكاحه صحيحا ، والعبد لا يرث والمسلم لا يرث الكافر ولم يخرجه انتفاء هذه الأحكام عنه من أن يكون نكاحا .

قيل له : إن نكاح الصغير قد تعلق به ثبوت النسب إذا صار ممن يستفرش ويتمتع ، وأنت لا تلحقه نسب ولدها مع الوطء الذي يجوز أن يلحق به النسب في النكاح ، والعبد والكافر إنما لم يرثا للرق والكفر وهما يمنعان التوارث بينهما ، وذلك غير موجود في المتعة لأن كل واحد منهما من أهل الميراث من صاحبه ؛ فإذا لم يكن بينهما ما يقطع الميراث ثم لم يرث مع وجود المتعة علمنا أن المتعة ليست بنكاح لأنها لو كانت نكاحا لأوجبت الميراث مع وجود سببه من غير مانع له من قبلهما . وأيضا قد قال ابن عباس : إنها ليست بنكاح ولا سفاح ؛ فإذا كان ابن عباس قد نفى عنها اسم النكاح وجب أن لا تكون نكاحا ؛ لأن ابن عباس لم يكن ممن يخفى عليه أحكام الأسماء في الشرع واللغة ، فإذا كان هو القائل بالمتعة من الصحابة ولم يرها نكاحا ونفى عنها الاسم ثبت أنها ليست بنكاح . [ ص: 100 ] ومما يوجب تحريمها من جهة السنة ما حدثنا عبد الباقي قال : حدثنا معاذ بن المثنى قال : حدثنا القعنبي قال : حدثنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء وعن أكل لحوم الحمر الإنسية ؛ وقال فيه غير مالك : إن عليا قال لابن عباس : إنك امرؤ تياه ، إنما المتعة إنما كانت رخصة في أول الإسلام نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية . وروي هذا الحديث من طرق عن الزهري ، رواه سفيان بن عيينة وعبيد الله بن عمر في آخرين .

وروى عكرمة بن عمار عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة تبوك : إن الله تعالى حرم المتعة بالطلاق والنكاح والعدة والميراث . وروى عبد الواحد بن زياد قال : حدثنا أبو عميس عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في متعة النساء عام أوطاس ثم نهى عنها وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا إسماعيل بن الفضل البلخي قال : حدثنا محمد بن جعفر بن موسى قال : حدثنا محمد بن الحسن قال : حدثنا أبو حنيفة عن نافع عن ابن عمر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وما كنا مسافحين . قال أبو بكر : قوله : " وما كنا مسافحين " يحتمل وجوها :

أحدها : أنهم لم يكونوا مسافحين حين أبيحت لهم المتعة ، يعني أنها لو لم تبح لم يكونوا ليسافحوا ، ونفى بذلك قول من قال إنها أبيحت للضرورة كالميتة والدم ثم نهي عنها بعد .

والثاني : أنهم لم يكونوا ليفعلوا ذلك بعد النهي فيكونوا مسافحين ، ويحتمل أنهم لم يكونوا في حال الإباحة مسافحين بالتمتع ؛ إذ كانت مباحة .

وقد حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا عبد الوارث عن إسماعيل بن أمية عن الزهري قال : كنا عند عمر بن عبد العزيز فتذاكرنا متعة النساء ، فقال له رجل يقال له ربيع بن سبرة : أشهد على أبي أنه حدث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها في حجة الوداع . وروى عبد العزيز بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده : أن ذلك كان عام الفتح ؛ ورواه إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة عن أبيه مثله ، وذكر أنه كان عام الفتح ؛ ورواه أنس بن عياض الليثي عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة عن أبيه مثله ، وقال : " كان في حجة الوداع " . فلم تختلف الرواة في التحريم ، واختلفوا في التاريخ ، فسقط التاريخ كأنه ورد غير مؤرخ ، وثبت التحريم لاتفاق الرواة عليه . ورواه أبو حنيفة عن الزهري عن محمد بن عبد [ ص: 101 ] الله عن سبرة الجهني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم فتح مكة .

وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا ابن ناجية قال : حدثنا محمد بن مسلم الرازي قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال : حدثنا صدقة عن عبيد الله بن علي عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : خرج النساء اللاتي استمتعنا بهن معنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هن حرام إلى يوم القيامة . .

فإن قيل : هذه الأخبار متضادة لأن في حديث سبرة الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها لهم في حجة الوداع ، وقال بعضهم : عام الفتح ، وفي حديث علي وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر ، وخيبر كانت قبل الفتح وقبل حجة الوداع ، فكيف تكون مباحة عام الفتح أو في حجة الوداع وقد حرمت قبل ذلك عام خيبر ؟ قيل له : الجواب عن هذا من وجهين :

أحدهما : أن حديث سبرة مختلف في تاريخه ، فقال بعضهم : عام الفتح ، وقال بعضهم : في حجة الوداع ؛ وفي كلا الحديثين أن النبي صلى الله عليه وسلم أباحها في تلك السفرة ثم حرمها ، فلما اختلفت الرواة في تاريخه سقط التاريخ وحصل الخبر غير مؤرخ ، فلا يضاد حديث علي وابن عمر الذي اتفقا على تاريخه أنه حرمها يوم خيبر والوجه الآخر أنه جائز أن يكون حرمها يوم خيبر ثم أحلها في حجة الوداع أو في فتح مكة ثم حرمها ، فيكون التحريم المذكور في حديث علي وابن عمر منسوخا بحديث سبرة الجهني ، ثم تكون الإباحة منسوخة بما في حديث سبرة أيضا ؛ لأن ذلك غير ممتنع .

فإن قيل : روى إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن ابن مسعود قال : كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا نساء ، فقلنا : يا رسول الله ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك ورخص لنا أن ننكح بالثوب إلى أجل ، ثم قال : لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم الآية . قيل له : هذه المتعة هي التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سائر الأخبار التي ذكرنا ، ولم ننكر نحن أنها قد كانت أبيحت في وقت ثم حرمت ، وليس في حديث ابن مسعود ذكر التاريخ ، فأخبار الحظر قاضية عليها لأن فيها ذكر الحظر بعد الإباحة ؛ وأيضا لو تساويا لكان الحظر أولى لما بيناه في مواضع ؛ وأما تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم الآية عند إباحة المتعة ، وهو قوله تعالى : لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم فإنه يحتمل أن يريد به النهي عن الاستخصاء وتحريم النكاح المباح ، ويحتمل المتعة في حال ما كانت مباحة .

وقد روي عن عبد الله أنها منسوخة بالطلاق والعدة والميراث ؛ ويدل عليه أنه قد علم أنها قد كانت مباحة في وقت ، فلو كانت الإباحة باقية لورد النقل بها مستفيضا متواترا لعموم الحاجة [ ص: 102 ] إليه ولعرفتها الكافة كما عرفتها بديا ولما اجتمعت الصحابة على تحريمها لو كانت الإباحة باقية ، فلما وجدنا الصحابة منكرين لإباحتها موجبين لحظرها مع علمهم بديا بإباحتها دل ذلك على حظرها بعد الإباحة ألا ترى أن النكاح لما كان مباحا لم يختلفوا في إباحته ؟ ومعلوم أن بلواهم بالمتعة لو كانت مباحة كبلواهم بالنكاح فالواجب إذا أن يكون ورود النقل في بقاء إباحتها من طريق الاستفاضة . ولا نعلم أحدا من الصحابة روي عنه تجريد القول في إباحة المتعة غير ابن عباس وقد رجع عنه حين استقر عنده تحريمها بتواتر الأخبار من جهة الصحابة ؛ وهذا كقوله في الصرف وإباحته الدرهم بالدرهمين يدا بيد ، فلما استقر عنده تحريم النبي صلى الله عليه وسلم إياه وتواترت عنده الأخبار فيه من كل ناحية رجع عن قوله وصار إلى قول الجماعة ، فكذلك كان سبيله في المتعة . ويدل على أن الصحابة قد عرفت نسخ إباحة المتعة ، ما روي عن عمر أنه قال في خطبته : " متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما " وقال في خبر آخر : " لو تقدمت فيها لرجمت " ، فلم ينكر هذا القول عليه منكر ، لا سيما في شيء قد علموا إباحته وأخباره بأنهما كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلا يخلو ذلك من أحد وجهين : إما أن يكونوا قد علموا بقاء إباحتها فاتفقوا معه على حظرها ، وحاشاهم من ذلك لأن ذلك يوجب أن يكونوا مخالفين لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عيانا ، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ؛ فغير جائز منهم التواطؤ على مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولأن ذلك يؤدي إلى الكفر وإلى الانسلاخ من الإسلام ؛ لأن من علم إباحة النبي صلى الله عليه وسلم للمتعة ثم قال هي محظورة من غير نسخ لها فهو خارج من الملة .

فإذا لم يجز ذلك علمنا أنهم قد علموا حظرها بعد الإباحة ولذلك لم ينكروه ، ولو كان ما قال عمر منكرا ولم يكن النسخ عندهم ثابتا لما جاز أن يقاروه على ترك النكير عليه ؛ وفي ذلك دليل على إجماعهم على نسخ المتعة ؛ إذ غير جائز حظر ما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم إلا من طريق النسخ . ومما يدل على تحريم المتعة من طريق النظر ، أنا قد علمنا أن عقد النكاح وإن كان واقعا على استباحة منافع البضع ، فإن استحقاق تلك المنافع بعقد النكاح بمنزلة العقود على المملوكات من الأعيان وأنه مخالف لعقود الإجارات الواقعة على منافع الأعيان ألا ترى أن عقد النكاح يصح مطلقا من غير شرط مدة مذكورة له وأن عقود الإجارات لا تصح إلا على مدد معلومة أو على [ ص: 103 ] عمل معلوم ؟ فلما كان ذلك حكم العقد على منافع البضع أشبه عقود البياعات وما جرى مجراها إذا عقدت على الأعيان ، فلا يصح وقوعه موقتا كما لا يصح وقوع التمليكات في الأعيان المملوكة موقتة ، ومتى شرط فيه التوقيت لم يكن نكاحا فلا تصح استباحة البضع كما لا يصح البيع إذا شرط فيه توقيت الملك ، وكذلك الهبات والصدقات ؛ ولا يملكه بشيء من هذه العقود ملكا موقتا ؛ وكذلك منافع البضع لما جرت مجرى الأعيان المملوكة لم يصح فيها التوقيت . ومما يحتج به القائلون بإباحة المتعة اتفاق الجميع على أنها قد كانت مباحة في وقت من الزمان ثم اختلفنا في الحظر ، فنحن ثابتون على ما حصل الاتفاق عليه ولا نزول عنه بالاختلاف . فيقال لهم : الأخبار التي بها تثبت الإباحة بها يثبت الحظر ؛ وذلك لأن كل خبر ذكر فيه إباحة المتعة ذكر فيه حظرها ، فمن حيث تثبت الإباحة وجب أن يثبت الحظر وإن لم يثبت الحظر لم تثبت الإباحة ؛ إذ كانت الجهة التي بها تثبت الإباحة بها ورد الحظر .

وأيضا فإن قول القائل : " إنا لما اتفقنا على كذا ثم اختلفنا فيه لم نزل عن الإجماع بالاختلاف " قول فاسد ؛ لأن الموضع الذي فيه الخلاف ليس هو موضع الإجماع ، فإذا لم يكن إجماعا فلا بد من دلالة يقيمها على صحة دعواه . وأيضا فإن كون الشيء مباحا في وقت غير موجب بقاء إباحته فيما يجوز فيه النسخ ، وقد دللنا على ثبوت الحظر بعد الإباحة من ظاهر الكتاب والسنة وإجماع السلف . قال أبو بكر : قد ذكرنا في المتعة وحكمها في التحريم ما فيه بلاغ لمن نصح نفسه ، ولا خلاف فيها بين الصدر الأول على ما بينا ؛ وقد اتفق فقهاء الأمصار مع ذلك على تحريمها ولا يختلفون فيه . واختلف الفقهاء فيمن تزوج امرأة أياما معلومة ، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ومالك بن أنس والثوري والأوزاعي والشافعي : " إذا تزوج امرأة عشرة أيام فهو باطل ولا نكاح بينهما " .

وقال زفر : " النكاح جائز والشرط باطل " . وقال الأوزاعي : إذا تزوج امرأة ومن نيته أن يطلقها وليس ثم شرط فلا خير في هذا ، هذا متعة " . قال أبو بكر : لا خلاف بينهم وبين زفر أن عقد النكاح لا يصح بلفظ المتعة ، وأنه لو قال : " أتمتع بك عشرة أيام " أن ذلك ليس بنكاح ، وإنما الخلاف إذا عقده بلفظ النكاح فقال : " أتزوجك عشرة أيام " فجعله زفر نكاحا صحيحا وأبطل الشرط فيه ؛ لأن النكاح لا تفسده الشروط الفاسدة ، كما لو قال : " أتزوجك على أن أطلقك بعد عشرة أيام " كان النكاح جائزا والشرط باطلا ؛ وإنما الخلاف بينهم وبين زفر في أن [ ص: 104 ] هذا نكاح أو متعة ؟ فقال الجمهور : هذا متعة وليس بنكاح . والدليل على صحة هذا القول أن النكاح إلى أجل هو متعة وإن لم يلفظ بالمتعة ما حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا إسحاق بن الحسن بن ميمون قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن الربيع بن سبرة الجهني أن أباه أخبره : أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حتى نزلوا عسفان ؛ وذكر قصة أمر النبي صلى الله عليه وسلم إياهم بالإحلال بالطواف إلا من كان معه هدي ؛ قال : فلما أحللنا قال : استمتعوا من هذه النساء والاستمتاع التزويج عندنا ، فعرضنا ذلك على النساء فأبين إلا أن نضرب بيننا وبينهن أجلا ، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : افعلوا . فخرجت أنا وابن عمي وأنا أشب منه ومعي برد ومعه برد ، فأتينا امرأة فأعجبها برده وأعجبها شبابي ، فقالت : برد كبرد وهذا أشب ؛ وكان بيني وبينها عشر فبت عندها ليلة ثم أصبحت فخرجت إلى المسجد ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الركن والمقام يقول : يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء ، ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن بقي عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا .

فأخبر سبرة في هذا الحديث أن الاستمتاع كان التزويج ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان رخص لهم في توقيت المدة فيه ثم نهى عنه بعد الإباحة ؛ فثبت بذلك أن النكاح إلى أجل هو متعة . ويدل على ذلك أيضا حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله بن مسعود قال : كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لنا نساء ، فقلنا : يا رسول الله ألا نستخصي ؟ فنهانا عن ذلك ورخص لنا أن ننكح بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ : لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم فأخبر عبد الله بن مسعود أن المتعة كانت نكاحا إلى أجل . ويدل على ذلك حديث جابر عن عمر بن الخطاب وقد تقدم سنده في باب المتعة ، أنه قال : " إن الله كان يحل لرسوله ما شاء فأتموا الحج والعمرة كما أمر الله واتقوا نكاح هذه النساء ؛ لا أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته " . فأخبر عمر أن النكاح إلى أجل هو متعة ؛ وإذا ثبت له هذا الاسم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعة انتظم ذلك تحريم النكاح إلى أجل لدخوله تحت الاسم .

وأيضا لما كانت المتعة اسما للنفع القليل كما قال تعالى : إنما هذه الحياة الدنيا متاع يعني نفعا قليلا ، وسمى الواجب بعد الطلاق متعة بقوله : فمتعوهن وقال : وللمطلقات متاع بالمعروف لأنه أقل من المهر ، علمنا أن ما أطلق عليه اسم المتعة أو المتاع فقد أريد [ ص: 105 ] به التقليل وأنه نزر يسير بالإضافة إلى ما يقتضيه العقد ويوجبه ، فسمي ما يعطى بعد الطلاق مما لا يوجب بنفس العقد متاعا ومتعة لقلته بالإضافة إلى المهر المستحق بالعقد .

وسمي النكاح الموقت متعة لقصر مدته وقلة الانتفاع به بالإضافة إلى ما يقتضيه العقد من بقائه مؤبدا إلى أن يفرق بينهما الموت أو سبب حادث يوجب التفريق ، فوجب أن لا يختلف على ذلك في إطلاق اسم المتعة أن يكون بلفظ المتعة أو بلفظ النكاح بعد أن يكون موقتا لأن اسم المتعة يتناولهما من الوجه الذي ذكرنا .

وأيضا لا يخلو العاقد عقد النكاح على عشرة أيام من أن يجعله موقتا على ما شرط أو يبطل الشرط ويجعله مؤبدا ؛ فإن جعله موقتا كان متعة بلا خلاف ، وإن جعله مؤبدا لم يصح ذلك من قبل أن ما بعد الوقت ليس عليه عقد فلا يجوز له أن يستبيح بضعها بلا عقد ألا ترى أن من اشترى صبرة من طعام على أنها عشرة أقفزة أو قال : " قد اشتريت منك عشرة أقفزة من هذه الصبرة " أن العقد واقع على عشرة أقفزة دون ما عداها ؟ فكذلك إذا عقد النكاح على عشرة أيام فما بعد العشرة ليس عليه عقد نكاح ، فغير جائز استباحة بضعها فيه بالعقد ، ولا يجوز أن يجعله موقتا فيكون صريح المتعة ، فوجب بذلك إفساد العقد . وليس هذا بمنزلة قوله : " قد تزوجتك على أن أطلقك بعد عشرة أيام " فيجوز النكاح ويبطل الشرط ؛ لأنه عقد النكاح مؤبدا وشرط فيه قطعه بالطلاق ألا ترى أنه إذا لم يطلق كان النكاح باقيا ؟ فعلمت أن النكاح قد وقع على وجه التأبيد ، وإنما شرط قطعه بالطلاق ، وذلك شرط فاسد ، والنكاح لا تفسده الشروط ، فيبطل الشرط ويجوز العقد . وليس كذلك إذا تزوجها عشرة أيام ؛ لأن ما بعد العشرة ليس عليه عقد ألا ترى أنه لو استأجر دارا عشرة أيام كان العقد واقعا على عشرة أيام وما بعدها ليس عليها عقد ، ولو سكنها بعد العشرة كان غاصبا ساكنا لها على غير وجه العقد ولا أجر عليه ، ولو قال : " آجرتك هذه الدار على أن أفسخ العقد بعد عشرة أيام " " كانت إجارة فاسدة مؤبدة ما سكن منها من المدة في العشرة وبعدها يلزمه أجر المثل ؟ فكذلك النكاح إذا عقد على عشرة فليس على ما بعد العشرة عقد . فإن قيل : فلو قال : " قد تزوجتك على أنك طالق بعد عشرة أيام " . كان النكاح موقتا ؛ لأنه يبطل بعد مضي العشرة . قيل له : ليس هذا نكاحا موقتا بل هو مؤبد ، وإنما قطعه بالطلاق ؛ ولا فرق بين ذكر الطلاق مع العقد وإيقاعه بعد المدة ؛ لأن النكاح قد وقع بديا مؤبدا ، وإنما أوقع طلاقا لوقت مستقبل ، فلا يوجب ذلك توقيت العقد .

قوله [ ص: 106 ] تعالى : فآتوهن أجورهن فريضة معناه المهور ، فسمى المهر أجرا لأنه بدل منافع البضع . ويدل على أن المراد المهر أنه ذكره لمن كان محصنا بالنكاح في قوله : وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين وكقوله تعالى : فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات فذكر الإحصان عقيب ذكر النكاح وسمى المهر أجرا . وقوله : فريضة تأكيد لوجوبه وإسقاط للظن وتوهم التأويل فيه ؛ إذ كان الفرض ما هو في أعلى مراتب الإيجاب ؛ والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية