الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في المراء

                                                                                                          1993 حدثنا عقبة بن مكرم العمي البصري حدثنا ابن أبي فديك قال حدثني سلمة بن وردان الليثي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ترك الكذب وهو باطل بني له في ربض الجنة ومن ترك المراء وهو محق بني له في وسطها ومن حسن خلقه بني له في أعلاها وهذا الحديث حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث سلمة بن وردان عن أنس بن مالك

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( باب ما جاء في المراء ) بكسر الميم : أي الجدال .

                                                                                                          قوله : ( أخبرني سلمة بن وردان الليثي ) أبو يعلى المدني ضعيف من الخامسة .

                                                                                                          قوله : ( من ترك الكذب ) أي وقت مرائه ، كما يدل عليه القرينة الآتية ، ويحتمل الإطلاق والله أعلم ( وهو باطل ) جملة معترضة بين الشرط والجزاء للتنفير عن الكذب ، فإن الأصل فيه أنه باطل ، أو جملة حالية من المفعول أي والحال أنه باطل لا مصلحة فيه من مرخصات الكذب كما في الحرب أو إصلاح ذات البين والمعاريض ، أو حال من الفاعل أي وهو ذو باطل بمعنى صاحب بطلان ( بني له ) بصيغة المجهول وله نائبه أي بنى الله له قصرا ( في ربض الجنة ) قال في النهاية : هو بفتح الباء ما حولها خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع انتهى ، وقال القاري في المرقاة : أي نواحيها وجوانبها من داخلها ولا من خارجها ، وأما قول الشارح هو ما حولها خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي حول المدن وتحت القلاع ، فهو صريح اللغة لكنه غير صحيح المعنى ، فإنه خلاف المنقول ويؤدي إلى المنزلة بين المنزلتين حسا كما قاله المعتزلة معنى ، فالصواب أن المراد به أدناها كما يدل عليه قوله .

                                                                                                          ( ومن ترك المراء ) بكسر الميم أي الجدال ( وهو محق ) أي صادق ومتكلم بالحق ( في وسطها ) بفتح السين ويسكن أي في أوسطها لتركه كسر قلب من يجادله ودفعه رفعة نفسه وإظهار نفاسة فضله ، وهذا يشعر بأن معنى صدر الحديث أن من ترك [ ص: 110 ] المراء وهو مبطل فوضع الكذب موضع المراء لأنه الغالب فيه أو المعنى أن من ترك الكذب ولو لم يترك المراء بني له في ربض الجنة لأنه حفظ نفسه عن الكذب لكن ما صانها عن مطلق المراء ، فلهذا يكون أحط مرتبة منه انتهى ما في المرقاة .

                                                                                                          ( ومن حسن ) بتشديد السين أي أحسن بالرياضة ( خلقه ) بضمتين ويسكن اللام أي جميع أخلاقه التي من جملتها ترك المراء وترك الكذب ( بني له في أعلاها ) أي حسا ومعنى ، وهذا يدل على أن الخلق مكتسب وإن كان أصله غريزيا ، ومنه خبر صحيح : اللهم حسن خلقي كما حسنت خلقي ، وكذا خبر مسلم : اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، قال الإمام حجة الإسلام : حد المراء الاعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه إما لفظا أو معنى أو في قصد المتكلم ، وترك المراء بترك الاعتراض والإنكار ، فكل كلام سمعته فإن كان حقا فصدق به ، وإن كان باطلا ولم يكن متعلقا بأمور الدين فاسكت عنه .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن ) قال ميرك نقلا عن التصحيح : وسلمة تكلم فيه لكن حسن حديثه الترمذي وللحديث شواهد انتهى .

                                                                                                          قلت : ومنها حديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا ، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ، رواه أبو داود واللفظ له وابن ماجه والترمذي كذا في الترغيب ، ومن عادات الترمذي أنه يحسن الحديث الضعيف للشواهد وقد بينته في المقدمة .




                                                                                                          الخدمات العلمية