الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( باب ما جاء في سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )

أي في قدر عمره ومقدار أمره ( حدثنا أحمد بن منيع ، حدثنا روح بن عبادة ) بفتح الراء وضم العين ( حدثنا زكريا ) بالقصر ، ويجوز مده ( ابن إسحاق حدثنا عمرو بن دينار عن ابن عباس قال مكث ) بضم الكاف وفتحها ، أي : لبث ( النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة ) أي : بعد البعثة ( ثلاث عشرة ) أي : سنة ( يوحى إليه ) أي : باعتبار مجموعها ، ؛ لأن مدة فترة الوحي ، وهي سنتان ونصف من جملتها ، وهذا هو الأصح الموافق لما رواه أكثر الرواة ، وورد عشر سنين وخمسة عشر في سبعة منها يرى نورا ويسمع صوتا ولم ير ملكا ، وفي ثمانية منها يوحى إليه ، وجميع هذه الروايات في الصحيحين ، وبين الروايتين المرويتين عن ابن عباس مخالفة من وجهين : أحدهما في مدة الإقامة بمكة ثلاث عشرة أو خمس عشرة ، وثانيهما في زمن الوحي عليه ثلاث عشرة أو ثمانية ، قال الحنفي : يمكن أن يقال المراد بالوحي إليه في ثلاث عشرة مطلق الوحي سواء كان الملك مرئيا أو لا ، والمراد : بالوحي إليه هو أن يكون الملك مرئيا فيه ، فلا تدافع بينهما انتهى .

وزيد في بعض النسخ المصححة وبالمدينة عشرا ، أي : عشر سنين ( وتوفي ) بصيغة المجهول من التوفي ، أي : ومات ( وهو ابن ثلاث وستين ) أي : سنة ، كما في نسخة ، قال البخاري هذا أكثر في الرواية ، ورجح أحمد أيضا هذه الرواية ، قال ميرك : في قدر عمره - صلى الله عليه وسلم - ثلاث روايات : إحداهما أنه توفي وهو ابن ستين سنة ، والثانية خمس وستون ، والثالثة ثلاث وستون ، وهي أصحها وأشهرها ، رواه البخاري من رواية ابن عباس ومعاوية ومسلم من رواية عائشة وابن عباس ومعاوية أيضا ، واتفق العلماء على أن أصحها ثلاث وستون وتأولوا باقي الروايات عليها [ ص: 250 ] فرواية ستون محمولة على أن الراوي اقتصر فيها على العقود وترك الكسور ، ورواية الخمس متأولة أيضا بإدخال سنتي الولادة والوفاة أو حصل فيها اشتباه ، وقد أنكر عروة على ابن عباس - رضي الله عنهما - قوله خمس وستون ، ونسبه إلى الغلط ، وقال إنه لم يدرك أول النبوة ، ولا كثرت صحبته بخلاف الباقين ، واتفقوا على أنه - صلى الله عليه وسلم - أقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين ، وبمكة قبل النبوة أربعين سنة ، وإنما الخلاف في قدر إقامته بمكة بعد النبوة وقبل الهجرة ، والصحيح أنه ثلاث عشرة سنة ، فيكون عمره ثلاثا وستين ، وهذا الذي ذكرناه أنه بعث على رأس أربعين سنة هو الصواب المشهور الذي أطبق جمهور العلماء المحققين عليه ، وحكى القاضي عن ابن عباس وسعيد بن المسيب رواية شاذة أنه بعث على رأس ثلاث وأربعين سنة ، والصواب أربعون ، قال ميرك : والله أعلم ، وجه الخلاف في مدة البعث والدعوة ؛ لأن دعوته مجاهرة بعد ثلاث وأربعين ، بعد نزول آية ( فاصدع بما تؤمر ) أي : فاجهر ، وظهور الدعوة حينئذ ، والله سبحانه أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية