الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب النهي عن التمني قال الله تعالى : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم سلمة قالت : قلت يا رسول الله يغزو الرجال ولا تغزو النساء ويذكر الرجال ولا تذكر النساء ؟ فأنزل الله تعالى : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض الآية ، ونزلت : إن المسلمين والمسلمات وروى قتادة عن الحسن قال : " لا يتمن أحد المال وما يدريه لعل هلاكه في ذلك المال " .

وقال سعيد عن قتادة في قوله : ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون المرأة شيئا ولا الصبي ويجعلون الميراث لمن يحبون فلما ألحق للمرأة نصيبها وللصبي نصيبه وجعل للذكر مثل حظ [ ص: 142 ] الأنثيين ، قالت النساء : لو كان أنصباؤنا في الميراث كأنصباء الرجال وقال الرجال : إنا لنرجو أن نفضل على النساء في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فأنزل الله تعالى : للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن يقول : المرأة تجزى بحسناتها عشر أمثالها كما يجزى الرجل ؛ قال : واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما ونهى الله عن تمني ما فضل الله به بعضنا على بعض ؛ لأن الله تعالى لو علم أن المصلحة له في إعطائه ما أعطى الآخر لفعل ، ولأنه لا يمنع من بخل ولا عدم وإنما يمنع ليعطي ما هو أكثر منه .

وقد تضمن ذلك النهي عن الحسد وهو تمني زوال النعمة عن غيره إليه ، وهو مثل ما روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يسوم على سوم أخيه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها فإن الله هو رازقها ، فنهى صلى الله عليه وسلم أن يخطب على خطبة أخيه إذا كانت قد ركنت إليه ورضيت به ، وأن يسوم على سومه كذلك ؛ فما ظنك بمن يتمنى أن يجعل له ما قد صار لغيره وملكه وقال صلى الله عليه وسلم : لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها ، يعني أن تسعى في إسقاط حقها وتحصيله لنفسها .

وروى سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل والنهار ، ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار . قال أبو بكر : والتمني على وجهين :

أحدهما : أن يتمنى الرجل أن تزول نعمة غيره عنه ، فهذا الحسد ، وهو التمني المنهي عنه . والآخر : أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يريد زوال النعمة عن غيره ، فهذا غير محظور إذا قصد به وجه المصلحة ، وما يجوز في الحكمة .

ومن التمني المنهي عنه أن يتمنى ما يستحيل وقوعه ، مثل أن تتمنى المرأة أن تكون رجلا أو تتمنى حال الخلافة والإمامة ونحوها من الأمور التي قد علم أنها لا تكون ولا تقع . وقوله تعالى : للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن قيل فيه وجوه :

أحدها : أن لكل واحد حظا من الثواب قد عرض له بحسن التدبير في أمره ولطف له فيه حتى استحقه وبلغ علو المنزلة به ، فلا تتمنوا خلاف هذا التدبير ، فإن لكل منهم حظه ونصيبه غير مبخوس ولا منقوص والآخر : أن لكل أحد جزاء ما اكتسب فلا يضيعه بتمني ما لغيره محبطا لعمله .

وقيل فيه : إن لكل فريق من الرجال والنساء نصيبا مما اكتسب من نعم الدنيا ، فعليه أن يرضى بما قسم الله له . وقوله تعالى : واسألوا الله من فضله قيل [ ص: 143 ] فيه : إن معناه إن احتجتم إلى ما لغيركم فسلوا الله أن يعطيكم مثل ذلك من فضله ، لا بأن تتمنوا ما لغيركم ؛ إلا أن هذه المسألة تغني إن تكن معقودة بشريطة المصلحة ، والله تعالى أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية