الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الباب الثالث في أحكام الذبح .

- ويتعلق بالذبح المختص بالضحايا . النظر في الوقت ، والذبح . أما الوقت : فإنهم اختلفوا فيه في ثلاثة مواضع : في ابتدائه وفي انتهائه ، وفي الليالي المتخللة له .

[ المسألة الأولى ]

[ ابتداء وقت الذبح ]

فأما في ابتدائه : فإنهم اتفقوا على أن الذبح قبل الصلاة لا يجوز لثبوت قوله عليه الصلاة والسلام : " من ذبح قبل الصلاة فإنما هي شاة لحم " . وأمره بالإعادة لمن ذبح قبل الصلاة ، وقوله : " أول ما نبدأ به في يومنا هذا هو أن نصلي ثم ننحر " . إلى غير ذلك من الآثار الثابتة التي في هذا المعنى .

واختلفوا فيمن ذبح قبل ذبح الإمام وبعد الصلاة : فذهب مالك إلى أنه لا يجوز لأحد ذبح أضحيته قبل ذبح الإمام . وقال أبو حنيفة والثوري : يجوز الذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام .

[ ص: 358 ] وسبب اختلافهم : اختلاف الآثار في هذا الباب ، وذلك أنه جاء في بعضها : " أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر لمن ذبح قبل الصلاة أن يعيد الذبح " ، وفي بعضها : " أنه أمر لمن ذبح قبل ذبحه أن يعيد " ، خرج هذا الحديث الذي فيه هذا المعنى مسلم .

فمن جعل ذلك موطنين اشترط ذبح الإمام في جواز الذبح . ومن جعل لذلك موطنا واحدا قال : إنما يعتبر في إجزاء الذبح الصلاة فقط .

وقد اختلفت الرواية في حديث أبي بردة بن نيار ، وذلك أن في بعض رواياته : " أنه ذبح قبل الصلاة فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الذبح " . وفي بعضها : " أنه ذبح قبل ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بالإعادة " . وإذا كان ذلك كذلك ; فحمل قول الراوي أنه ذبح قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقول الآخر ذبح قبل الصلاة على موطن واحد أولى ، وذلك أن من ذبح قبل الصلاة فقد ذبح قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيجب أن يكون المؤثر في عدم الإجزاء إنما هو الذبح قبل الصلاة ، كما جاء في الآثار الثابتة في ذلك من حديث أنس وغيره : " أن من ذبح قبل الصلاة فليعد " . وذلك أن تأصيل هذا الحكم منه صلى الله عليه وسلم يدل بمفهوم الخطاب دلالة قوية أن الذبح بعد الصلاة يجزئ ، لأنه لو كان هنالك شرط آخر مما يتعلق به إجزاء الذبح لم يسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن فرضه التبيين ، ونص حديث أنس هذا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر : " من كان ذبح قبل الصلاة فليعد " .

واختلفوا من هذا الباب في فرع مسكوت عنه وهو : متى يذبح من ليس له إمام من أهل القرى ؟ فقال مالك : يتحرون ذبح أقرب الأئمة إليهم . وقال الشافعي : يتحرون قدر الصلاة والخطبة ويذبحون . وقال أبو حنيفة : من ذبح من هؤلاء بعد الفجر أجزأه ; وقال قوم : بعد طلوع الشمس .

وكذلك اختلف أصحاب مالك في فرع آخر وهو : إذا لم يذبح الإمام في المصلى ، فقال قوم : يتحرى ذبحه بعد انصرافه . وقال قوم : ليس يجب ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية