الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      القضاء في القصار يخطئ بثوب رجل فيدفعه إلى رجل آخر فيقطعه المدفوع إليه ويخيطه ولا يعلم ثم يعلم فيريد صاحبه أن يأخذه قلت : أرأيت إن دفعت إلى قصار ثوبا ليقصره فأخطأ فدفعه إلى غيري بعد ما قصره [ ص: 402 ] فقطعه الذي أخذه قميصا وخاطه ثم علمنا بذلك ، وقد كان دفع إلي ثوبا غيره فأردت أن أرد إليه الثوب وآخذ ثوبي ; قال : ذلك لك .

                                                                                                                                                                                      قلت : وإن كان الذي قطعه قد خاطه قميصا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : نعم وإن كان قد خاطه .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن أراد أن لا يأخذ ثوبه وأن يضمنه القصار ؟

                                                                                                                                                                                      قال : ذلك له عند مالك .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن أراد أن يضمن الذي قطعه قميصا أيكون له ذلك ؟ قال : لا ، ولا يأخذه أيضا من الذي قطعه إن أراد أخذه حتى يدفع إلى الذي قطعه أجر خياطته ، فإن أبى أن يدفع الخياطة كان الذي خاطه مخيرا في أن يدفع إليه قيمة ثوبه صحيحا أو يدفعه إليه مخيطا ، فإن دفعه إليه كان صاحب الثوب بالخيار إن شاء أخذ الثوب وإن شاء ضمن القصار قيمته ، وليس خطؤه بالذي يضع عنه قيمته إذا أسلمه الذي قطعه ، قال سحنون : إذا أبى أن يعطيه أجر الخياطة لم يكن له إلا أن يضمن القصار قيمة ثوبه ، فإن ضمن القصار قيمة ثوبه قيل للقصار : أعط الخياط أجر خياطته ، فإن أبى قيل للذي خاط الثوب : أعطه قيمة ثوبه غير مخيط ، فإن أبى كانا شريكين هذا بقيمة ثوبه وهذا بخياطته .

                                                                                                                                                                                      قال : وقال مالك في رجل اشترى ثوبا فأخطأ البائع فأعطاه ثوبا غيره فقطعه المشتري وخاطه قال : إن أحب أن يأخذ ثوبه لم يكن له ذلك حتى يدفع إليه هذا أجر خياطته .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : فأرى أن يقال لمشتري الثوب : إن أحببت فادفع قيمة الثوب صحيحا ، وإن أحببت فادفعه مخيطا ولا شيء عليك . قال : وإنما بلغني هذا عن مالك .

                                                                                                                                                                                      قلت لابن القاسم : لم لا تجعل على القصار هاهنا شيئا إذا رضي رب الثوب أن يأخذ ثوبه ويدفع أجر الخياطة ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لأن رب الثوب إذا أخذ ثوبه لم يكن على القصار شيء .

                                                                                                                                                                                      قلت : ولم جعلت للذي قطعه ثمن خياطته وقد قلت : في الذي يغصب الثوب من الرجل فيقطعه فيخيطه قميصا : إن المغصوب إن أحب أن يأخذ قميصه ، ولا يكون للغاصب من الخياطة قليل ولا كثير ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لأن الغاصب متعد ، ولأن هذا إنما دفع إليه الثوب ولم يتعد .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن كان القطع والخياطة قد نقصا الثوب فقال رب الثوب : أنا آخذ [ ص: 403 ] الثوب وما نقصه القطع والخياطة أيكون ذلك له أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا يكون ذلك له وليس له أن يأخذه إذا كان مخيطا إلا أن يدفع أجر الخياطة إلى الذي قطع الثوب وخاطه .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية