الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: وكم من قرية أهلكناها الآية ، هذا إخبار من الله تعالى عن حال من أهلكه بكفر تحذيرا للمخاطبين به عن مثله ، وقوله: وكم هي كلمة توضع للتكثير ، (ورب) موضوعة للتقليل ، وذلك هو الفرق بين كم ورب. قال الفرزدق:


                                                                                                                                                                                                                                        كم عمة لك يا جرير وخالة فدعاء قد حلبت على عشاري



                                                                                                                                                                                                                                        فدل ذلك على تكثير العمات والخالات: وفي قوله: أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا وإنما الهلاك بعد مجيء البأس أربعة أوجه: أحدها: معناه أهلكناها حكما فجاءها بأسنا فعلا. والثاني: أهلكناها بإرسال الملائكة إليها بالعذاب فجاءها بأسنا بوقوع العذاب لهم. والثالث: أهلكناها بخذلاننا لها عن الطاعة فجاءها بأسنا عقوبة على المعصية. والرابع: أن البأس والهلاك وقعا معا في حال واحدة ، لأن الهلاك كان بوقوع البأس فلم يفترقا ، وليس دخول الفاء بينهما موجبة لافتراقهما بل قد تكون بمعنى الواو كما يقال أعطيت وأحسنت ، فكان الإحسان بالعطاء ولم يكن بعد العطاء ، قاله الفراء . وقوله: بياتا يعني في نوم الليل. أو هم قائلون يعني في نوم النهار وقت القائلة. فإن قيل: فلم جاءهم بالعذاب في وقت النوم دون اليقظة؟ قيل: لأمرين: أحدهما: لأن العذاب في وقت الراحة أشد وأغلظ. [ ص: 201 ] والثاني: لئلا يتحرزوا منه ويهربوا عنه ، لاستسلام النائم وتحرز المستيقظ ، والبأس: شدة العذاب ، والبؤس: شدة الفقر. قوله عز وجل: فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين فيه وجهان: أحدهما: لنسألن الذين أرسل إليهم عن قبول الرسالة والقيام بشروطها ، ولنسألن المرسلين عن أداء الرسالة والأمانة فيها. والثاني: لنسألن الذين أرسل إليهم عن حفظ حرمان الرسل ، ولنسألن المرسلين عن الشفقة على الأمم.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية