الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام

الهروي - أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي

[ ص: 38 ] باب : ذكر الصيام وما نسخ منه

51 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، وعثمان بن عطاء ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس في قوله عز وجل : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم قال : " كان كتابه على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن المرأة والرجل كان يأكل ويشرب وينكح ما بينه وبين أن يصلي العتمة ، أو يرقد فإذا صلى العتمة ، أو رقد منع ذلك إلى مثلها من القابلة ، فنسختها هذه الآية : أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم الآية

52 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية قال : " ذاك أن المسلمين في شهر رمضان كانوا إذا صلوا العشاء حرم عليهم الطعام

[ ص: 39 ] وأحسبه قال : والنكاح إلى مثلها من القابلة ، ثم إن ناسا من المسلمين أصابوا النساء والطعام بعد العشاء ، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل : علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم إلى قوله من الخيط الأسود من الفجر


53 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال : أخبرنا حصين ، عن الشعبي قال : أخبرني عدي بن حاتم ، قال : " لما نزلت هذه الآية : وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر عمدت إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض ، فجعلتهما تحت وسادي ، ثم جعلت أنظر إليهما متى يتبين لي الأبيض من الأسود ، فلما

[ ص: 40 ] أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت ، فقال : " إن كان وسادك لعريضا ، إنما ذاك بياض النهار وسواد الليل


54 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال : أخبرنا مجالد ، عن الشعبي ، عن عدي بن حاتم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث إلا أنه قال : " إنما ذاك بياض النهار من سواد الليل

55 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي مريم ، عن أبي غسان محمد بن مطرف ، قال : حدثنا أبو حازم ، عن سهل بن سعد قال : لما نزلت هذه الآية : وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ولم ينزل من الفجر قال : " فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبينا له ، فأنزل عز وجل بعد ذلك من الفجر ، فعلموا أنما يعني بذلك : الليل والنهار

56 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال : أخبرنا حصين ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، أن رجلا من الأنصار يقال له : صرمة بن مالك ، وكان شيخا كبيرا جاء إلى أهله عشاء وهو صائم ، وكانوا إذا

[ ص: 41 ] نام أحدهم قبل أن يطعم لم يأكل شيئا إلى مثلها ، والمرأة إذا نامت لم يكن لزوجها أن يقربها إلى مثلها ، فلما جاء صرمة إلى أهله دعا بعشائه ، فقالوا : أمهل حتى نجعل لك طعاما سخنا تفطر عليه ، فوضع الشيخ رأسه فنام ، فجاءوا بطعامه ، فقال : قد كنت نمت ، فلم يطعمه ، فبات ليلته يتسلق ظهرا لبطن ، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فنزلت هذه الآية : وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فرخص لهم أن يأكلوا الليل كله من أوله إلى آخره ، وجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأراد أهله ، فقالت : إنها قد نامت ، فظن أنها اعتلت عليه فواقعها ، فأخبرته أنها قد كانت نامت ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم إلى آخر الآية


57 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا سعيد بن أبي مريم ، عن ابن لهيعة ، عن موسى بن جبير ، أنه سمع عبد الله بن كعب بن مالك ، [ ص: 42 ] يحدث ، عن أبيه قال : كان الناس إذا صام الرجل فنام حرم عليه الطعام والشراب حتى يفطر من الغد ، فرجع عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سهر عنده ، فوجد امرأته قد نامت ، فأيقظها ، ثم أرادها فقالت : إني قد نمت فوقع بها ، وصنع مثل ذلك كعب بن مالك ، فغدا عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره ، فأنزل الله عز وجل : علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم إلى قوله : ثم أتموا الصيام إلى الليل . قال أبو عبيد : " فهذا ما كان من نسخ الطعام والشراب والنكاح في الصوم ، وفيه نسخ آخر وهو قوله : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين "

58 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في قوله : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قال : " هي منسوخة

[ ص: 43 ]

59 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، وعثمان بن عطاء ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس في هذه الآية وعلى الذين يطيقونه قال : " كانت الإطاقة أن الرجل والمرأة كان يصبح صائما ثم إن شاء أفطر وأطعم لذلك مسكينا ، فنسختها هذه الآية : فمن شهد منكم الشهر فليصمه .

60 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية مثل حديث حجاج سواء

61 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عثمان بن صالح ، عن بكر بن مضر ، عن عمرو بن الحارث ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع ، عن سلمة بن الأكوع ، قال : " لما نزلت هذه الآية : وعلى الذين يطيقونه كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي فعل ، حتى نزلت التي بعدها فنسختها ، يعني قوله : فمن شهد منكم الشهر فليصمه

[ ص: 44 ]

62 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا محمد بن كثير ، عن زائدة بن قدامة ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة في هذه الآية قال : " كان من شاء أفطر وأطعم مسكينا كل يوم نصف صاع ، فلما نزلت : فمن شهد منكم الشهر فليصمه نسخت هذه الآية

63 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب في هذه الآية قال : " كانت رخصة فمن شاء افتدى ، ومن شاء صام ، فنسخها قوله : فمن شهد منكم الشهر فليصمه فنسخت رخصة الفدية من كل من يطيق الصيام

[ ص: 45 ]

64 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، فيها أيضا قال : " كتب الله عز وجل الصيام علينا ، فكان من شاء افتدى ممن يطيق الصيام من صحيح أو مريض أو مسافر ، لم يكن عليه غير ذلك ، وكان قوله : فمن تطوع خيرا فهو خير له يريد : من صام مع الفدية فهو خير له

65 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد ، وليث ، عن طاوس في قوله : فمن تطوع خيرا فهو خير له قالا : " إطعام مسكينين

66 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب قال : وقوله وأن تصوموا خير لكم يقول : " إن الصيام خير من الفدية ، قال ابن شهاب : فلما أوجب الله عز وجل على من شهد الشهر الصيام ممن كان صحيحا يطيقه وضع عنه الفدية ، وكان على من كان مريضا ، أو على سفر عدة من أيام أخر ، وبقيت الفدية للكبير الذي لا يطيق الصيام ، والذي يعرض له العطش . قال أبو عبيد : " فهذا مذهب من رأى الآية منسوخة ، وفيها قول آخر على غير قراءتنا "

[ ص: 46 ]

67 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن خالد الحذاء ، عن عكرمة ، أنه كان يقرأها : " وعلى الذين يطوقونه " " إنها ليست منسوخة

68 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن عامر بن شفي ، عن عبد الكريم الجزري ، عن سعيد بن جبير ، أنه كان يقرأها كذلك : " يطوقونه "

[ ص: 47 ]

69 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن عكرمة ، أنه قرأها : " وعلى الذين يطوقونه " ، وقال : " يكلفونه ، ولا يطيقونه

70 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم الجزري ، عن مجاهد " وعلى الذين يطوقونه " قال : " يحملونه

71 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأها كذلك : " وعلى الذين يطوقونه " قال : " الشيخ الكبير يطعم عنه نصف صاع .

قال أبو عبيد : " وهذا قول من جعل الآية محكمة ، وهو قول حسن ، ولكن ليس الناس عليه ؛ لأن الذي ثبت بين اللوحين في مصاحف أهل الحجاز والعراق والشام وغيرهم أنها : وعلى الذين يطيقونه ، ولا تكون الآية على هذا اللفظ إلا منسوخة كالذي ذكرناه عن ابن عباس في أول الباب عند ذكر الإطاقة ، [ ص: 48 ] ثم قال سلمة بن الأكوع ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعلقمة بن قيس ، وابن شهاب ، وقد ذكرنا أحاديثهم ، فتفرق الناس في ناسخ هذه الآية ومنسوخها على أربعة منازل ، في كل واحدة منهم حكم سوى الحكم الآخر ، فالفرقة الأولى منهم : فرضهم الصيام ولا يجزئهم غيره ، والثانية : مخيرون بين الصيام والإفطار ، ثم عليهم القضاء بعد ذلك ، ولا إطعام عليهم ، والثالثة : هم الذين لهم الرخصة في الإطعام ولا قضاء عليهم ، والرابعة : هي التي اختلفت العلماء فيهم بين القضاء والإطعام

وبكل ذلك قد جاء تأويل القرآن وأفتت به الفقهاء ، وهو يأتي مفسرا إن شاء الله :

فأما الطائفة الأولى : الذين فرض الله عليهم الصيام ، ولم يقبل منهم غيره ، فالأصحاء المقيمون ، لزمهم ذلك بالآية المحكمة وهي قوله عز وجل : فمن شهد منكم الشهر فليصمه

وأما الثانية : فالمسافرون والمرضى ، وهم الذين لهم الخيار بين الصوم والإفطار ، لقوله : فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وبه جاءت السنة ، والآثار أيضا مع التنزيل "

72 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يحيى بن سعيد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال : يا رسول الله إني أصوم يعني : أسرد الصوم ، أفأصوم في السفر ؟ فقال : " إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر .

[ ص: 49 ]

73 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن حمزة بن عمرو الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ولم يذكر عائشة

74 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ، من أهل حمص ، عن محمد بن إسحاق ، عن عمران بن أبي أنس قال : حدثني سليمان بن يسار ، وحنظلة بن علي ، جميعا ، عن حمزة بن عمرو الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك .

75 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، عن هشام الدستوائي ، عن قتادة ، عن سليمان بن يسار ، عن حمزة بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك

76 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح في شهر رمضان ، فصام حتى بلغ الكديد ، ثم أفطر قال : وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 50 ]

77 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو النضر ، وعبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس عن النبي ، صلى الله عليه وسلم مثل ذلك .

78 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يزيد ، عن محمد بن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك

79 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو الأسود ، عن ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن ثابت مولى محمد بن عبد الرحمن أنه سمع عبد الله بن ربيعة ، أو ربيعة يقول : " صام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الكديد أفطر قال : " فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر

80 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، عن المسعودي ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي عياض قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافرا في رمضان ، فنودي في الناس : من شاء صام ، ومن شاء أفطر " ، قال : فقلت لأبي عياض : فكيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : " صام وكان أحقهم بذلك

[ ص: 51 ]

81 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الوهاب ، عن هشام الدستوائي ، وسعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لثماني عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ، " فصام طوائف من الناس وأفطر آخرون ، فلم يعب المفطر على الصائم ، ولا الصائم على المفطر

82 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو إسماعيل المؤدب ، عن عاصم بن سليمان ، عن أبي نضرة ، عن جابر بن عبد الله قال : كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " فيصوم الصائم ويفطر المفطر ، فلا يعيب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم .

83 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس بن مالك ، أنه قال مثل ذلك

84 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن عبد الكريم الجزري ، عن طاوس ، عن ابن عباس قال : " لا تعب على من صام ولا على من أفطر ، قال : يعني في رمضان في السفر .

[ ص: 52 ] قال أبو عبيد : والحديث في هذا كثير وله موضع غير هذا ، إلا أن الأمر عندنا فيه على الخيار للمسافر ، وإن كانت كراهية الصيام قد جاءت في بعض الأثر وله وجه يوجه عليه

85 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : أخبرني ابن شهاب ، أن صفوان بن عبد الله بن صفوان حدثه ، عن أم الدرداء ، عن كعب بن عاصم الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس من البر الصيام في السفر

86 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، ويحيى بن بكير ، عن الليث قال : حدثني ابن شهاب ، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان ، عن أم الدرداء ، عن كعب بن عاصم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس البر ، أو ليس من البر ، الصيام في السفر . قال أبو عبيد : هكذا كان حديث الليث على الشك قال أبو عبيد : " وإنما وجهه عندنا أن يجشم الإنسان نفسه ما يجهده ، ويبلغ المشقة منه حتى يضر ذلك به في الصلاة المفروضة وغيرها ، وقد جاء تبيانه في حديث آخر "

[ ص: 53 ]

87 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، عن شعبة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي ، عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، فرأى رجلا قد اجتمع الناس عليه ، وقد ظلل عليه ، فقالوا : هذا رجل صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس البر أن تصوموا في السفر

88 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عثمان بن صالح ، عن بكر بن مضر ، عن عمارة بن غزية ، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة ، عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، إلا أنه قال : فسأل عنه ، فقالوا : رجل قد جهده الصوم ، فقال : " ليس البر الصيام في السفر . قال أبو عبيد : " فهذا الحديث مفسر للأول ؛ لأن الله تبارك وتعالى إنما أراد برخصته في الإفطار اليسر ، فإذا بلغ الإنسان من نفسه هذه الحال كان راغبا عن يسر الله عز وجل إلى عسره ، فهناك جاءت الكراهة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس البر أن تصوموا في السفر " ، ولم يقل في هذا الحديث ليس البر ، وإسقاط الصيام في السفر من هاهنا أبين معنى ؛ لأنه يريد : ليس البر أن تصوموا كله

[ ص: 54 ] صومكم في السفر يقول : فقد يكون الإفطار في السفر برا أيضا ، فإذا كان المسافر مطيقا للصيام غير مشقوق عليه فيه فالصيام والإفطار مباحان له على ما ذكرنا من الأحاديث المتقدمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ، فإذا أقام المسافر وصح المريض فالأداء عليهما القضاء ، ليس لهما غيره من الطعام ولا سواه ؛ لقوله في محكم الآية : فعدة من أيام أخر ، فهذه حال الطائفة الثانية ، وأما الثالثة : فالشيوخ والعجز الذين قد حيل بينهم وبين الصيام هرما وكبرا ولا يرجى لهما قوة تئوب إليهم ، فيقضوه صوما ، فهم الذين قال العلماء فيهم : إن الآية التي في قوله : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قد صارت محكمة لهم ومنسوخة لغيرهم ، وهذا الذي رآه ابن شهاب بقوله : وبقيت الفدية للكبير الذي لا يطيق الصيام والذي يعرض له العطش قال أبو عبيد : وقد تتابعت به الآثار على هذا التأويل أيضا "

89 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، وسعيد بن جبير

[ ص: 55 ] في قوله : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين قالا : " الشيخ الكبير والعجوزة الكبيرة اللذان لا يطيقان الصيام يتصدق عنهما كل يوم على مسكين

90 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا هشيم قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، في ذلك قال : " يفطر ويطعم كل يوم مسكينا ولا قضاء عليه

91 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي ، عن خالد ، عن عكرمة قال : " يطعم عنه لكل يوم مسكين ولا قضاء عليه

92 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس بن مالك : " أنه ضعف عن صيام رمضان وكبر فأمر بإطعام مساكين ، فأطعموا خبزا ولحما حتى شبعوا . قال حميد : وأخبرني ابنه

[ ص: 56 ] وأنس جالس أن المساكين أكثر من عدة الأيام

93 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن ، عن محمد بن مسلم الطائفي ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن مجاهد ، عن قيس بن السائب ، أنه لما كبر قال : " إن الرجل يطعم عنه في رمضان لكل يوم نصف صاع ، فأطعموا عني صاعا " وقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شريكي في الجاهلية ، فكان خير شريك لا يشاري ، ولا يماري

[ ص: 57 ]

94 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو معاوية ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، أنه : " لما كبر وضعف كان يفطر في رمضان ويطعم كل يوم مسكينا نصف صاع من بر

95 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن ، عن سعد ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في ذلك قال : " يطعم عنه نصف صاع

[ ص: 58 ]

96 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يحيى بن بكير ، عن ابن لهيعة ، عن بكير بن الأشج ، عن عروة ، عن ابن عباس ، في ذلك قال : " يتصدق كل يوم على مسكين ، غداءه ، وعشاءه . قال أبو عبيد : وهذا قول سفيان وأهل العراق ، وأما أهل الحجاز ومكة ، فلا يرون عليه أكثر من مد ، وفي ذلك أحاديث لهم

97 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح ، عن أبي حمزة ، عن سليمان بن موسى ، عن عطاء بن أبي رباح ، أنه سمع أبا هريرة ، في هذا المسجد مسجد مكة يفتي أن " من أدركه الكبر

[ ص: 59 ] فلم يستطع صيام رمضان ، فعليه لكل يوم مد من قمح ، يعني : أنه يفطر ويطعم

98 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، في الشيخ والعجوز يفطران قال : " عليهما مد ، مد .

99 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن يحيى بن سعيد ، في ذلك قال : " يطعم كل يوم مدا من حنطة " قال : قال ذلك أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أشياخ الأنصار قال أبو صالح : وهو قول الليث

100 - قال أبو عبيد: وكذلك قول مالك حدثنيه عنه ابن بكير ، وابن أبي مريم ، " وقد يلحق بهؤلاء أهل العطاش الذين يخاف عليهم منه الموت "

[ ص: 60 ]

101 - وإياهم أراد ابن شهاب بقوله : وبقيت الفدية للكبير " الذي لا يطيق الصيام والذي يعرض له العطش ، وقد قاله غيره أيضا "

102 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن ثابت الحداد قال : سمعت سعيد بن جبير ، يقول في الشيخ الكبير والمرأة اللهثى وصاحب العطاش : " يفطرون في رمضان ، ويطعمون نصف صاع كل يوم

103 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي مريم ، عن ابن لهيعة ، عن جعفر بن ربيعة ، عن أبي سفيان بن جبر بن عتيك ، أن حفصة ابنة مبشر الأنصارية ، عطشت ، فلم تستطع صوما مع العطش قال أبو سفيان : فسألت عكرمة عن ذلك قال : " تطعم ثلاثين مسكينا مدا مدا وتخبزه

[ ص: 61 ] وتأدمه قال : فانصرفت إلى سالم بن عبد الله ، فأخبرته ، " فقال : تطعم ثلاثين مسكينا مدا مدا ، ولا تخبزه ولا تأدمه " .

قال أبو عبيد : " وقد كان بعضهم لا يرى على الكبير شيئا من الطعام ولا غيره "

104 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي مريم ، عن عبد الجبار بن عمر قال : وسمعت ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وخالد بن الدريك ، يقولان في الشيخ : " إن استطاع الصوم صام ، وإلا فليس عليه شيء

105 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي مريم ، وابن بكير كلاهما ، عن مالك بن أنس أنه قال : " لا أرى ذلك واجبا عليه قال : وأحب أن يفعله ، فإن فعل فإنما عليه مد واحد بمد النبي صلى الله عليه وسلم . قال أبو عبيد : " وكلا الفريقين إنما قصد إلى أنه الإطاقة فيما نرى

[ ص: 62 ] وإياها تأول ، إلا أنهم اختلفوا في المذهب ، فمن أسقط الفدية عن الكبير ، فإنه رجع إلى أصل الفرض في الصيام ، فقال : إنما أوجبه الله عز وجل قبل النسخ على المطيقين دون غيرهم ، وخيرهم بين أن يصوموا أو يطعموا ، فقال عز وجل : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ثم نسخ الفدية عنهم وألزمهم الصوم حتما ، وسكت عمن لا يطيق ، فلم يذكره في الآية ، فصار فرض الصيام زائلا عنهم ، كما زال فرض الزكاة والحج عن المعدمين الذين لا يجدون إليهما سبيلا فهذه حجتهم ، وأبى الآخرون ذلك ، فذهبوا فيما نرى إلى أن الزكاة والحج لا يشبهان الصيام فرق بينهما الكتاب والسنة ، وذلك أن الله عز وجل جعل من الصوم بدلا أوجبه على كل من حال بينه وبين الصيام وهو الفدية كما جعل التيمم بدلا من الطهور واجبا على كل من أعوزه الماء ، وكما جعل الإيماء بدلا من الركوع والسجود على من لم يقدر عليهما ، ولم يجعل من الزكاة والحج بدلا على من لم يجد إليهما سبيلا ، فهذا هو الحد المفرق بين الحكمين ، وإلى هذا القول كان يذهب من ذكرنا من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في إيجاب الفدية على الشيخ والشيخة ، وبهذا كان يأخذ سفيان ، وأهل العراق يرون الفدية واجبة على الكبير ، إلا أنهم قالوا : لكل يوم نصف صاع ، وقال الآخرون : يجزيه المد من ذلك ، فهذه الطائفة الثالثة . وأما الرابعة : فالحوامل والمراضع ، وفيهن اختلف الناس ، قديما وحديثا ، فقال بعضهم : إذا ضعفن عن الصيام وخافت إحداهن على نفسها أو ولدها أفطرت وأطعمت كل يوم مسكينا ، فإذا فطمت ولدها قضته ، فأوجبوا عليهما الإطعام والقضاء جميعا ، وقال بعضهم : عليهما الإطعام ولا قضاء ، وقال آخرون : بل عليهما القضاء ولا إطعام ، وممن رأى الإطعام مع القضاء ابن عمر ، ومجاهد "

106 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن أبي مريم ، [ ص: 63 ] عن أنس بن عياض ، عن جعفر بن محمد ، عن ابن لبيبة أو ابن أبي لبيبة ، عن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، أن امرأة صامت حاملا ، فاستعطشت في شهر رمضان ، فسئل عنها ابن عمر ، فأمرها أن تفطر وتطعم كل يوم مسكينا مدا ، ثم لا يجزئها ذلك ، فإذا صحت قضته

107 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن ابن أبي لبيبة ، عن ابن عمر أو عن عبيد الله ، [ ص: 64 ] عن نافع ، عن ابن أبي لبيبة ، عن ابن عمر ، في ذلك أنه قال : " تفطر وتطعم كل يوم مسكينا . غير أن يحيى لم يذكر القضاء في حديثه ، شك أبو عبيد في نافع ، ولم يشك في ابن أبي لبيبة

108 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يحيى بن سعيد ، عن عثمان بن الأسود قال : وافق نفاس امرأتي شهر رمضان في حر شديد ، فشق عليها الصوم ، فسألت مجاهدا عن ذلك ، فقال : " تفطر وتطعم كل يوم مسكينا ، ثم إذا صحت قضته قال : وقرأ علي : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين . قال أبو عبيد : معناه أن ذلك كان بعدما نقلت من نفاسها وطهرت إلا أنها ترضع ، وكان ممن رأى عليها الإطعام ولا قضاء ابن عباس ، ومن قرأ بقراءته وأفتى فتياه

109 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا محمد بن كثير ، عن

[ ص: 65 ] حماد بن سلمة ، عن قتادة ، وأيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أنه قال لامرأة ترضع : " أنت من الذين يطوقونه أفطري ، وأطعمي كل يوم مسكينا

110 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن عزرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما قال : " يفطران ويطعمان ، وكان ممن رأى عليهما القضاء بلا إطعام إبراهيم ، والحسن ، وعطاء ، والضحاك بن مزاحم

[ ص: 66 ]

111 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا عباد بن العوام ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في الحامل والمرضع إذا أفطرتا قال : " يقضيان الصوم ولا إطعام عليهما .

112 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يزيد ، عن هشام ، عن الحسن قال : " إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا ، فإذا ذهب ذاك قضتاه "

113 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا يحيى بن سعيد ، عن أشعث ، عن الحسن ، وعن سعيد بن أبي عروبة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، وعن ابن جريج ، عن عطاء ، أنهم قالوا : " يفطران ويقضيان صوما "

[ ص: 67 ] قال أبو عبيد : " وكل هؤلاء إنما تأول آية الإطاقة أيضا ، قوله عز وجل : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن أوجب القضاء والإطعام معا ذهب فيما نرى إلى أن الله عز وجل حكم في التارك للصوم من عذر بحكمين ، فجعل الفدية في آية والقضاء في أخرى ، فلما لم يجد ذكر الحامل والمرضع مسمى في واحدة منهما جمعهما جميعا عليهما احتياطا لهما ، وأخذا بالثقة ، وأما الذين رأوا عليهما أن يطعما ولا يقضيا ، فإنهم أرادوا أنهما ليستا من السفر ولا المرضى الذين فرضهم القضاء ، ولكنهما ممن كلف الصيام وطوقه فليس بمطيق ، فهم من أهل الفدية ، ليس يلزمهم سواها لقوله : " وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين " وهي قراءة ابن عباس وفتياه ، فكان تأويله على لفظ قراءته ، وكذلك قرأها عكرمة ، وسعيد بن جبير وأظن مجاهدا كان عليها أيضا ، وأما الذين أوجبوا عليهما القضاء بلا إطعام ، فذهبوا إلى أن الحمل والرضاع إنما هما علتان من العلل ، ونوعان من أنواع المرض ؛ لأنه يخاف فيهما من التلف على الأنفس ما يخاف من المرض ، فجعلوهما بذلك مريضتين يلزمهما حكم المريض ، واحتجوا بأنهما قد يعودان إلى الولادة والفطام ، فيرجعان مطيقين كالمريض والمسافر إذا صاروا إلى الصحة والإقامة ، وبهذا القول كان يقول سفيان وأهل العراق : أن على الحامل والمرضع القضاء لا يجزئهما غيره ، وكذلك قول مالك أيضا ، حدثنيه عنه ابن بكير ، وعليه أهل الحجاز وكذلك رأي الأوزاعي وأهل الشام فيما أعلم ، وهو الذي ذكرناه عن إبراهيم والحسن وعطاء والضحاك ، ومع هذا كله أنا قد

[ ص: 68 ] تدبرنا حديثا سمعناه مرفوعا ، فوجدناه شاهدا لهذا القول ودليلا عليه "

114 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب قال : حدثني أبو قلابة ، هذا الحديث ، ثم قال لي : هل لك في صاحب هذا الحديث الذي حدثني ؟ قال : فدلني عليه ، فلقيته ، فقال : حدثني قريب لي يقال له : أنس بن مالك قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل لجار لي أخذت ، فوافقته وهو يأكل ، فدعاني إلى طعامه ، فقلت : إني صائم ، فقال : " ادن أخبرك ، أو قال : إذن أخبرك عن ذلك : " إن الله عز وجل وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ، وعن الحامل والمرضع " قال : وكان بعد ذلك يتلهف يقول : ألا أكون أكلت من طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعاني .

[ ص: 69 ] قال أبو عبيد : " ولم يسمع للحامل والمرضع في الصيام بذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا في هذا الحديث ، أفلا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرنهما بالمسافر وجعلهما معا في معنى واحد ، فصار حكمهما كحكمه ، فهل على المسافر إذا أفطر إلا القضاء ، لا يقضى عنه ولا يعدوه إلى غيره "

قال أبو عبيد : " فهذا شرائع الصيام ناسخها ومنسوخها ومواضع القضاء من مواضع الإطعام في تأويل الكتاب والسنة ، ومنه استنبطت العلماء إيجاب الطعام على كل من حيل بينه وبين الصيام حتى أفتوا به في الموتى إذا كان ذلك قد أوجب عليهم ، وفيمن توالى عليه رمضانان ، وفيه أحاديث كثيرة ليس موضعها هاهنا "

قال أبو عبيد : " فهذا ما جاء في ناسخ صيام رمضان ومنسوخه مع أنه قد كان رمضان يرى منه ناسخا لما كان قبله ، وهو صيام عاشوراء ، بذلك جاء الأثر "

115 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا محمد بن كثير ، عن زائدة ، عن الأعمش ، عن عمارة ، عن عبد الرحمن بن يزيد قال : دخل الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يتغدى يوم عاشوراء ، فقال له : ادن يا أبا محمد ، فقال : إن اليوم عاشوراء ، فقال عبد الله : أتدري ما يوم عاشوراء ؟ " إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه قبل أن ينزل رمضان ، فلما نزل رمضان ترك

[ ص: 70 ]

116 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا محمد بن كثير ، عن حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : " كان أهل الجاهلية يصومون عاشوراء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه فلما نزل رمضان ترك ، فمن شاء صامه ومن شاء تركه .

117 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو اليمان ، عن شعيب بن أبي حمزة ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك .

118 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا ابن بكير ، عن الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك

119 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : " صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه ، فلما فرض رمضان ترك . قال : فكان ابن عمر لا يصومه إلا أن يأتي على صومه ، يعني : عاشوراء

[ ص: 71 ]

120 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو النضر ، عن شيبان ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن جعفر بن أبي ثور ، عن جابر بن سمرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " يأمرنا بصيام عاشوراء ويحثنا عليه ويتعهدنا عنده ، فلما فرض رمضان لم يأمرنا به ، ولم ينهنا عنه ، ولم يتعهدنا عنده

121 - أخبرنا علي قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج ، عن شعبة ، عن الحكم قال : سمعت القاسم بن مخيمرة ، يحدث عن عمرو بن شرحبيل ، [ ص: 72 ] عن قيس بن سعد بن عبادة قال : " كنا نصوم عاشوراء ونعطي زكاة الفطر ما لم ينزل علينا صوم رمضان والزكاة ، فلما نزل أو قال : نزلا لم نؤمر به ولم ننه عنه ، وكنا نفعله

التالي السابق


الخدمات العلمية