الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
فصل في بيان كونه صلى الله عليه وسلم لم يستخلف وسر ذلك

قال البزار في «مسنده»: حدثنا عبد الله بن وضاح الكوفي، حدثنا يحيى بن اليمان، حدثنا إسرائيل، عن أبي اليقظان، عن أبي وائل، عن حذيفة قال: قالوا: يا رسول الله، ألا تستخلف علينا؟ قال: «إني إن استخلفت عليكم فتعصون خليفتي.. ينزل عليكم العذاب» أخرجه الحاكم في «المستدرك»، وأبو اليقظان ضعيف.

وأخرج الشيخان عن عمر أنه قال حين طعن: (إن أستخلف.. فقد استخلف من هو خير مني ـ يعني أبا بكر ـ وإن أترككم.. فقد ترككم من هو خير مني، رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وأخرج أحمد، والبيهقي في «دلائل النبوة» بسند حسن عن عمرو بن سفيان قال: لما ظهر علي يوم الجمل.. قال: (أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا، حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر، فأقام واستقام حتى مضى لسبيله، ثم إن أبا بكر رأى من الرأي أن يستخلف عمر فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه، ثم إن أقواما طلبوا الدنيا فكانت أمور يقضي الله فيها).

وأخرج الحاكم وصححه، والبيهقي في «الدلائل» عن أبي وائل قال : قيل [ ص: 71 ] لعلي: ألا تستخلف علينا؟ قال: (ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف، ولكن إن يرد الله بالناس خيرا.. فسيجمعهم بعدي على خيرهم، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم ).

قال الذهبي : وعند الرافضة أباطيل في أنه عهد إلى علي رضي الله عنه.

وقد قال هذيل بن شرحبيل : أكان أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! وود أبو بكر أنه وجد عهدا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فخزم أنفه بخزام. أخرجه ابن سعد والبيهقي في «الدلائل».

وأخرج ابن سعد عن الحسن قال: قال علي : (لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم.. نظرنا في أمرنا: فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر في الصلاة، فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، فقدمنا أبا بكر).

وقال البخاري في «تاريخه»: روي [عن ابن جمهان عن سفينة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر وعثمان: «هؤلاء الخلفاء بعدي» قال البخاري : ولم يتابع على هذا، لأن عمر وعليا قالا: (لم يستخلف النبي صلى الله عليه وسلم) انتهى.

والحديث المذكور أخرجه ابن حبان قال: حدثنا أبو يعلى، حدثنا يحيى الحماني، حدثنا حشرج، عن سعيد بن جمهان، عن سفينة قال: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد.. وضع في البناء حجرا وقال لأبي بكر : «ضع حجرك إلى جنب حجري» ثم قال لعمر: «ضع حجرك إلى جنب حجر [ ص: 72 ] أبي بكر » ثم قال لعثمان: «ضع حجرك إلى جنب حجر عمر» ثم قال: «هؤلاء الخلفاء بعدي».

قال أبو زرعة : (إسناده لا بأس به)، وقد أخرجه الحاكم في «المستدرك» وصححه، والبيهقي في «الدلائل» وغيرهما.

قلت: ولا منافاة بينه وبين قول عمر وعلي : إنه لم يستخلف، لأن مرادهما: أنه عند الوفاة لم ينص على استخلاف أحد، وهذه إشارة وقعت قبل ذلك، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» أخرجه الحاكم من حديث العرباض بن سارية .

وكقوله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر» ، وغير ذلك من الأحاديث المشيرة إلى الخلافة.

التالي السابق


الخدمات العلمية