كتاب الغسل .
- والأصل في هذه الطهارة قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وإن كنتم جنبا فاطهروا ) والكلام المحيط بقواعدها ينحصر بعد المعرفة بوجوبها ، وعلى من تجب ، ومعرفة ما به تفعل ، وهو الماء المطلق - في ثلاثة أبواب : .
الباب الأول : في معرفة العمل في هذه الطهارة .
[ ص: 41 ] والثاني : في معرفة نواقض هذه الطهارة .
والباب الثالث : في معرفة أحكام نواقض هذه الطهارة .
فأما على من تجب ؟ فعلى كل من لزمته الصلاة ، ولا خلاف في ذلك ، وكذلك لا خلاف في وجوبها ، ودلائل ذلك هي دلائل الوضوء بعينها ، وقد ذكرناها ، وكذلك أحكام المياه ، وقد تقدم القول فيها .
الباب الأول
في معرفة العمل في هذه الطهارة .
وهذا الباب يتعلق به أربع مسائل :
المسألة الأولى
[ الدلك ]
اختلف العلماء
nindex.php?page=treesubj&link=281هل من شرط هذه الطهارة إمرار اليد على جميع الجسد كالحال في طهارة أعضاء الوضوء ، أم يكفي فيها إفاضة الماء على جميع الجسد ، وإن لم يمر يديه على بدنه ; فأكثر العلماء على أن إفاضة الماء كافية في ذلك ، وذهب
مالك ، وجل أصحابه ،
والمزني من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلى أنه إن فات المتطهر موضع واحد من جسده لم يمر يده عليه أن طهره لم يكمل بعد .
والسبب في اختلافهم : اشتراك اسم الغسل ، ومعارضة ظاهر الأحاديث الواردة في صفة الغسل لقياس الغسل على ذلك في الوضوء ، وذلك أن الأحاديث الثابتة التي وردت في صفة غسله - عليه الصلاة والسلام - من حديث
عائشة ،
وميمونة ليس فيها ذكر التدلك ، وإنما فيها إفاضة الماء فقط .
ففي حديث
عائشة قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006954كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ، ثم يفرغ بيمينه على شماله ، فيغسل فرجه ، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر ، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات ، ثم يفيض الماء على جلده كله " والصفة الواردة في حديث ميمونة قريبة من هذا ، إلا أنه أخر غسل رجليه من أعضاء الوضوء إلى آخر الطهر ، وفي
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006955حديث nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة أيضا ، وقد سألته : - عليه الصلاة والسلام - : " هل تنقض ضفر رأسها لغسل الجنابة ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : إنما يكفيك أن تحثي على رأسك الماء ثلاث حثيات ، ثم تفيضي عليك الماء ، فإذا أنت قد طهرت " ، وهو أقوى في إسقاط التدلك من تلك الأحاديث الأخر ; لأنه لا يمكن هنالك أن يكون الواصف لطهره قد ترك التدلك ، وأما ههنا فإنما حصر لها شروط الطهارة ، ولذلك أجمع العلماء على أن صفة الطهارة الواردة من حديث
ميمونة وعائشة هي أكمل صفاتها ، وأن ما ورد في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة من ذلك ، فهو من أركانها الواجبة ، وأن الوضوء في أول الطهر ليس من شرط الطهر إلا خلافا شاذا روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وفيه قوة من جهة الأحاديث ، وفي قول الجمهور قوة من جهة النظر ; لأن الطهارة ظاهر من أمرها أنها شرط في صحة الوضوء ، لا أن الوضوء شرط في صحتها ، فهو من باب معارضة القياس لظاهر الحديث ، وطريقة
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي تغليب ظاهر الأحاديث على القياس .
[ ص: 42 ] فذهب قوم كما قلنا إلى ظاهر الأحاديث ، وغلبوا ذلك على قياسها على الوضوء ، فلم يوجبوا التدلك ، وغلب آخرون قياس هذه الطهارة على الوضوء على ظاهر الأحاديث ، فأوجبوا التدلك كالحال في الوضوء ، فمن رجح القياس صار إلى إيجاب التدلك ، ومن رجح ظاهر الأحاديث على القياس صار إلى إسقاط التدلك .
وأعني بالقياس : قياس الطهر على الوضوء . وأما الاحتجاج من طريق الاسم ففيه ضعف إذ كان اسم الطهر والغسل ينطلق في كلام العرب على المعنيين جميعا على حد سواء .
كِتَابُ الْغُسْلِ .
- وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الطَّهَارَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ) وَالْكَلَامُ الْمُحِيطُ بِقَوَاعِدِهَا يَنْحَصِرُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِوُجُوبِهَا ، وَعَلَى مَنْ تَجِبُ ، وَمَعْرِفَةِ مَا بِهِ تُفْعَلُ ، وَهُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ - فِي ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ : .
الْبَابُ الْأَوَّلُ : فِي مَعْرِفَةِ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الطَّهَارَةِ .
[ ص: 41 ] وَالثَّانِي : فِي مَعْرِفَةِ نَوَاقِضِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ .
وَالْبَابُ الثَّالِثُ : فِي مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ نَوَاقِضِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ .
فَأَمَّا عَلَى مَنْ تَجِبُ ؟ فَعَلَى كُلِّ مَنْ لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِهَا ، وَدَلَائِلُ ذَلِكَ هِيَ دَلَائِلُ الْوُضُوءِ بِعَيْنِهَا ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا ، وَكَذَلِكَ أَحْكَامُ الْمِيَاهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا .
الْبَابُ الْأَوَّلُ
فِي مَعْرِفَةِ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الطَّهَارَةِ .
وَهَذَا الْبَابُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الأُولَى
[ الدَّلْكُ ]
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ
nindex.php?page=treesubj&link=281هَلْ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ إِمْرَارُ الْيَدِ عَلَى جَمِيعِ الْجَسَدِ كَالْحَالِ فِي طَهَارَةِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ، أَمْ يَكْفِي فِيهَا إِفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْجَسَدِ ، وَإِنْ لَمْ يُمِرَّ يَدَيْهِ عَلَى بَدَنِهِ ; فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ إِفَاضَةَ الْمَاءِ كَافِيَةٌ فِي ذَلِكَ ، وَذَهَبَ
مَالِكٌ ، وَجُلُّ أَصْحَابِهِ ،
وَالْمُزَنِيُّ مِنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّهُ إِنْ فَاتَ الْمُتَطَهِّرَ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ مِنْ جَسَدِهِ لَمْ يُمِرَّ يَدَهُ عَلَيْهِ أَنَّ طُهْرَهُ لَمْ يَكْمُلْ بَعْدُ .
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ : اشْتِرَاكُ اسْمِ الْغُسْلِ ، وَمُعَارَضَةُ ظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي صِفَةِ الْغُسْلِ لِقِيَاسِ الْغُسْلِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الثَّابِتَةَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي صِفَةِ غُسْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ حَدِيثِ
عَائِشَةَ ،
وَمَيْمُونَةَ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ التَّدَلُّكِ ، وَإِنَّمَا فِيهَا إِفَاضَةُ الْمَاءِ فَقَطْ .
فَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ قَالَتْ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006954كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ يَبْدَأُ فَيَغْسِلُ يَدَيْهِ ، ثُمَّ يُفْرِغُ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ ، فَيَغْسِلُ فَرْجَهُ ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ، ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غَرْفَاتٍ ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ " وَالصِّفَةُ الْوَارِدَةُ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ قَرِيبَةٌ مِنْ هَذَا ، إِلَّا أَنَّهُ أَخَّرَ غَسْلَ رِجْلَيْهِ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ إِلَى آخِرِ الطُّهْرِ ، وَفِي
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006955حَدِيثِ nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ أَيْضًا ، وَقَدْ سَأَلَتْهُ : - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : " هَلْ تَنْقُضُ ضَفْرَ رَأْسِهَا لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ ، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ الْمَاءَ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ، ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْكِ الْمَاءَ ، فَإِذَا أَنْتِ قَدْ طَهُرْتِ " ، وَهُوَ أَقْوَى فِي إِسْقَاطِ التَّدَلُّكِ مِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ ; لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ هُنَالِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَاصِفُ لِطُهْرِهِ قَدْ تَرَكَ التَّدَلُّكَ ، وَأَمَّا هَهُنَا فَإِنَّمَا حَصَرَ لَهَا شُرُوطَ الطَّهَارَةِ ، وَلِذَلِكَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ صِفَةَ الطَّهَارَةِ الْوَارِدَةَ مِنْ حَدِيثِ
مَيْمُونَةَ وَعَائِشَةَ هِيَ أَكْمَلُ صِفَاتِهَا ، وَأَنَّ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ ذَلِكَ ، فَهُوَ مِنْ أَرْكَانِهَا الْوَاجِبَةِ ، وَأَنَّ الْوُضُوءَ فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الطُّهْرِ إِلَّا خِلَافًا شَاذًّا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَفِيهِ قُوَّةٌ مِنْ جِهَةِ الْأَحَادِيثِ ، وَفِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ قُوَّةٌ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ ; لِأَنَّ الطَّهَارَةَ ظَاهِرٌ مِنْ أَمْرِهَا أَنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْوُضُوءِ ، لَا أَنَّ الْوُضُوءَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا ، فَهُوَ مِنْ بَابِ مُعَارَضَةِ الْقِيَاسِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ ، وَطَرِيقَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ تَغْلِيبُ ظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ عَلَى الْقِيَاسِ .
[ ص: 42 ] فَذَهَبَ قَوْمٌ كَمَا قُلْنَا إِلَى ظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ ، وَغَلَّبُوا ذَلِكَ عَلَى قِيَاسِهَا عَلَى الْوُضُوءِ ، فَلَمْ يُوجِبُوا التَّدَلُّكَ ، وَغَلَّبَ آخَرُونَ قِيَاسَ هَذِهِ الطَّهَارَةِ عَلَى الْوُضُوءِ عَلَى ظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ ، فَأَوْجَبُوا التَّدَلُّكَ كَالْحَالِ فِي الْوُضُوءِ ، فَمَنْ رَجَّحَ الْقِيَاسَ صَارَ إِلَى إِيجَابِ التَّدَلُّكِ ، وَمَنْ رَجَّحَ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ عَلَى الْقِيَاسِ صَارَ إِلَى إِسْقَاطِ التَّدَلُّكِ .
وَأَعْنِي بِالْقِيَاسِ : قِيَاسَ الطُّهْرِ عَلَى الْوُضُوءِ . وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ مِنْ طَرِيقِ الِاسْمِ فَفِيهِ ضَعْفٌ إِذْ كَانَ اسْمُ الطُّهْرِ وَالْغُسْلِ يَنْطَلِقُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ جَمِيعًا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ .