الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتاب الغسل .

- والأصل في هذه الطهارة قوله تعالى : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) والكلام المحيط بقواعدها ينحصر بعد المعرفة بوجوبها ، وعلى من تجب ، ومعرفة ما به تفعل ، وهو الماء المطلق - في ثلاثة أبواب : .

الباب الأول : في معرفة العمل في هذه الطهارة .

[ ص: 41 ] والثاني : في معرفة نواقض هذه الطهارة .

والباب الثالث : في معرفة أحكام نواقض هذه الطهارة .

فأما على من تجب ؟ فعلى كل من لزمته الصلاة ، ولا خلاف في ذلك ، وكذلك لا خلاف في وجوبها ، ودلائل ذلك هي دلائل الوضوء بعينها ، وقد ذكرناها ، وكذلك أحكام المياه ، وقد تقدم القول فيها .

الباب الأول

في معرفة العمل في هذه الطهارة .

وهذا الباب يتعلق به أربع مسائل :

المسألة الأولى

[ الدلك ]

اختلف العلماء هل من شرط هذه الطهارة إمرار اليد على جميع الجسد كالحال في طهارة أعضاء الوضوء ، أم يكفي فيها إفاضة الماء على جميع الجسد ، وإن لم يمر يديه على بدنه ; فأكثر العلماء على أن إفاضة الماء كافية في ذلك ، وذهب مالك ، وجل أصحابه ، والمزني من أصحاب الشافعي إلى أنه إن فات المتطهر موضع واحد من جسده لم يمر يده عليه أن طهره لم يكمل بعد .

والسبب في اختلافهم : اشتراك اسم الغسل ، ومعارضة ظاهر الأحاديث الواردة في صفة الغسل لقياس الغسل على ذلك في الوضوء ، وذلك أن الأحاديث الثابتة التي وردت في صفة غسله - عليه الصلاة والسلام - من حديث عائشة ، وميمونة ليس فيها ذكر التدلك ، وإنما فيها إفاضة الماء فقط .

ففي حديث عائشة قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ، ثم يفرغ بيمينه على شماله ، فيغسل فرجه ، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر ، ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات ، ثم يفيض الماء على جلده كله " والصفة الواردة في حديث ميمونة قريبة من هذا ، إلا أنه أخر غسل رجليه من أعضاء الوضوء إلى آخر الطهر ، وفي حديث أم سلمة أيضا ، وقد سألته : - عليه الصلاة والسلام - : " هل تنقض ضفر رأسها لغسل الجنابة ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : إنما يكفيك أن تحثي على رأسك الماء ثلاث حثيات ، ثم تفيضي عليك الماء ، فإذا أنت قد طهرت " ، وهو أقوى في إسقاط التدلك من تلك الأحاديث الأخر ; لأنه لا يمكن هنالك أن يكون الواصف لطهره قد ترك التدلك ، وأما ههنا فإنما حصر لها شروط الطهارة ، ولذلك أجمع العلماء على أن صفة الطهارة الواردة من حديث ميمونة وعائشة هي أكمل صفاتها ، وأن ما ورد في حديث أم سلمة من ذلك ، فهو من أركانها الواجبة ، وأن الوضوء في أول الطهر ليس من شرط الطهر إلا خلافا شاذا روي عن الشافعي ، وفيه قوة من جهة الأحاديث ، وفي قول الجمهور قوة من جهة النظر ; لأن الطهارة ظاهر من أمرها أنها شرط في صحة الوضوء ، لا أن الوضوء شرط في صحتها ، فهو من باب معارضة القياس لظاهر الحديث ، وطريقة الشافعي تغليب ظاهر الأحاديث على القياس .

[ ص: 42 ] فذهب قوم كما قلنا إلى ظاهر الأحاديث ، وغلبوا ذلك على قياسها على الوضوء ، فلم يوجبوا التدلك ، وغلب آخرون قياس هذه الطهارة على الوضوء على ظاهر الأحاديث ، فأوجبوا التدلك كالحال في الوضوء ، فمن رجح القياس صار إلى إيجاب التدلك ، ومن رجح ظاهر الأحاديث على القياس صار إلى إسقاط التدلك .

وأعني بالقياس : قياس الطهر على الوضوء . وأما الاحتجاج من طريق الاسم ففيه ضعف إذ كان اسم الطهر والغسل ينطلق في كلام العرب على المعنيين جميعا على حد سواء .

التالي السابق


الخدمات العلمية