الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ما أوجب الله تعالى من أداء الأمانات قال الله تعالى : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها اختلف أهل التفسير في المأمورين بأداء الأمانة في هذه الآية من هم ، فروي عن زيد بن أسلم ومكحول وشهر بن حوشب أنهم ولاة الأمر . وقال ابن جريج : " إنها نزلت في عثمان بن طلحة ، أمر بأن ترد عليه مفاتيح الكعبة " .

وقال ابن عباس وأبي بن كعب والحسن وقتادة : " هو في كل مؤتمن على شيء " ؛ وهذه أولى ؛ لأن قوله تعالى : إن الله يأمركم خطاب يقتضي عمومه سائر المكلفين فغير جائز الاقتصار به على بعض الناس دون بعض إلا بدلالة ؛ وأظن من تأوله على ولاة الأمر ذهب إلى قوله تعالى : وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل لما كان خطابا لولاة الأمر كان ابتداء الخطاب منصرفا إليهم ؛ وليس ذلك كذلك ؛ إذ لا يمتنع أن يكون أول الخطاب عموما في سائر الناس وما عطف عليه خاصا في ولاة الأمر على ما ذكرنا في نظائره في القرآن وغيره .

قال أبو بكر : ما اؤتمن عليه الإنسان فهو أمانة ، فعلى المؤتمن عليها ردها إلى صاحبها ؛ فمن الأمانات الودائع وعلى مودعيها ردها إلى من أودعه إياها ، ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أنه لا ضمان على المودع فيها إن هلكت .

وقد روي عن بعض السلف فيه الضمان ، ذكر الشعبي عن أنس قال : " استحملني رجل بضاعة فضاعت من بين ثيابي ، فضمنني عمر بن الخطاب " .

وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا حامد بن [ ص: 173 ] محمد قال : حدثنا شريح قال : حدثنا ابن إدريس عن هشام بن حسان عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك قال : " استودعت ستة آلاف درهم ، فذهبت ، فقال لي عمر : ذهب لك معها شيء ؟ قلت : لا ، فضمنني " .

وروى حجاج عن أبي الزبير عن جابر : أن رجلا استودع متاعا فذهب من بين متاعه ، فلم يضمنه أبو بكر رضي الله عنه وقال : هي أمانة . وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا إسماعيل بن الفضل قال : حدثنا قتيبة قال : حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من استودع وديعة فلا ضمان عليه . وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا إبراهيم بن هاشم قال : حدثنا محمد بن عون قال : حدثنا عبد الله بن نافع عن محمد بن نبيه الحجبي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ضمان على راع ولا على مؤتمن .

قال أبو بكر : قوله صلى الله عليه وسلم : لا ضمان على مؤتمن يدل على نفي ضمان العارية ؛ لأن العارية أمانة في يد المستعير ؛ ؛ إذ كان المعير قد ائتمنه عليها ؛ ولا خلاف بين الفقهاء في نفي ضمان الوديعة إذا لم يتعد فيه المودع . وما روي عن عمر في تضمين الوديعة فجائز أن يكون المودع اعترف بفعل يوجب الضمان عنده ، فلذلك ضمنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية