الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
درس { فصل } في القرض بفتح القاف وقيل بكسرها ( يجوز قرض ما يسلم فيه ) أي كل ما يصح أن يسلم فيه من عرض وحيوان ومثلي [ ص: 223 ] والأصل فيه الندب ( فقط ) أي دون ما لا يصح فيه السلم كدار وبستان وتراب معدن وصائغ وجوهر نفيس فلا يصح فيه القرض ، ولما كان السلم في الجواري جائزا ولا يصح قرضهن على الإطلاق استثناهن بقوله ( إلا جارية تحل للمستقرض ) فلا يجوز قرضها لما فيه من إعارة الفروج ، ولذا انتفى المنع إن حرمت عليه أو كان المقترض امرأة ( وردت ) وجوبا إن أقرضها لمن تحل له ( إلا أن تفوت بمفوت البيع الفاسد ) كوطء أو حوالة سوق فأعلى وليس الغيبة عليها بفوت على الأظهر ( فالقيمة ) أي فتلزم المقترض بالقيمة ، ولا يجوز التراضي على ردها إن فات بوطء ولو ظنا كغيبة عليها على أنها مفوتة ، وجاز إن فاتت بحوالة سوق ونحوه وأما لو خرجت من يده فالأمر ظاهر ( كفاسده ) أي كفاسد البيع ; لأن القرض إذا فسد رد إلى فاسد أصله [ ص: 224 ] فيفوت بالقيمة لا إلى صحيح نفسه وأتى بهذا التشبيه ليفيد أن القيمة يوم القبض ، وعلى هذا فلا يستفاد من كلام المصنف حكم ما فسد من القرض غير هذا الفرع إلا بالقياس على ما ذكر .

التالي السابق


{ فصل في القرض هو لغة القطع . سمي المال المدفوع للمقترض قرضا ; لأنه قطعة من مال المقرض وشرعا عرفهابن عرفة بقوله دفع متمول في عوض غير مخالف له لا عاجلا تفضلا فقط لا يوجب إمكان عارية لا تحل متعلقا بذمة . فأخرج بقوله متمول دفع غير المتمول كقطعة نار فليس بقرض ، وقوله في عوض أخرج دفعه هبة ، وقوله غير مخالف له أخرج السلم والصرف ، وقوله لا عاجلا عطف على محذوف أي حالة كون ذلك العوض مؤجلا لا معجلا وأخرج بهذا المبادلة المثلية كدفع دينار أو إردب في مثله حالا ، وقوله تفضلا أي حالة كون ذلك الدفع تفضلا أو لأجل التفضل ولا يكون الدفع تفضلا إلا إذا كان النفع للمقترض وحده ، وقوله لا يوجب إمكان أي لا يقتضي ذلك الدفع جواز عارية لا تحل واحترز بذلك من دفع يقتضي جواز عارية لا تحل فلا يسمى قرضا شرعا بل عارية ، وقوله متعلقا بالذمة حال من عوض ( قوله يجوز قرض ما يسلم فيه ) أي ما يقبل جنسه السلم فيه فلا يرد أنه يجوز القرض في المكيال المجهول ولا يجوز السلم فيه ; لأن منع سلمه لعارض الجهل كما يمنع السلم في العرض والحيوان لعارض كعدم الأجل ، وأشار المصنف إلى قاعدة كلية مطردة منعكسة قائلة كل ما يصح أن يسلم فيه إلا الجواري يصح أن يقرض ، وبعض ما يصح أن يقرض يصح أن يسلم فيه فعكسها بالمستوي صحيح وأما عكسها عكسا لغويا وهو كل ما لا [ ص: 223 ] يصح أن يسلم فيه لا يصح أن يقرض وهو معنى قول المصنف فقط فعلى القول بأنه يمتنع قرض جلد الميتة المدبوغ بمثله وكذا جلد الأضحية ; لأنه معاوضة على نجس يكون ذلك العكس مستقيما ، وأما على القول بجواز قرضهما وهو المصحح لإباحة الانتفاع بهما فلا تكون تلك القاعدة منعكسة عكسا لغويا ; لأنهما لا يصح السلم فيهما ويصح قرضهما فقول المصنف فقط فيه نظر تأمل .

( قوله والأصل فيه الندب ) أشار بهذا إلى أن المراد بالجواز الإذن لا المستوي الطرفين ; لأن حكمه من حيث ذاته الندب ، وقد يعرض له ما يوجبه كالقرض لتخليص مستهلك ، والكراهة كقرض ممن في ماله شبهة أو لمن يخشى صرفه في محرم من غير أن يتحققا ذلك ، أو حرمته كجارية تحل للمقترض ولا يكون مباحا ( قوله وجوهر نفيس ) أي يتنافس فيه لكبره كبرا خارجا عن العادة ( قوله إلا جارية تحل للمستقرض ) أي الطالب للقرض والآخذ له فالسين والتاء للطلب ( قوله لما فيه من إعارة الفروج ) أي من احتمال إعارة الفروج أي ; لأنه يجوز في القرض رد معين المقترضة ويجوز رد مثلها كما يأتي ، ولهذا التعليل أجاز ابن عبد الحكم قرضها إذا اشترط أن يرد مثلها لا عينها قال في التوضيح ولا تبعد موافقته للمشهور وفيه أنه يرجع لسلم الشيء في جنسه إلا أن يفرض فيما إذا كان الشرط من المقترض وتمحض النفع له ونقل ح في آخر الفصل منع مثل هذا الشرط من المقرض . هذا والمشهور منع قرض الجارية التي تحل سواء كان قرضها للوطء أو للخدمة سدا للذريعة سواء شرط رد عينها أو مثلها كما قرره شيخنا ( قوله إن حرمت عليه ) أي بقرابة أو رضاع أو صهر ( قوله أو كان المقترض امرأة ) أي أو كان شيخا فانيا أو كانت الجارية في سن من لا توطأ في مدة القرض أي أو كانت الجارية لا تشتهى مدة القرض ( قوله وليس الغيبة إلخ ) حاصله أن الغيبة عليها فيها ثلاثة أقوال فقيل إنها فوت مطلقا ، وقيل ليست فوتا مطلقا ، وقيل إنها تفوت إن كان يمكن فيها الوطء الأول لابن يونس عن بعض أصحابه ، والثاني ظاهر المعونة واختار المازري الثالث بزيادة أن يكون الغائب من يظن به الوطء ونص ابن عرفة وفي فواتها بمجرد الغيبة عليها ، ثالثها إن كانت غيبة يمكن فيها الوطء للصقلي عن بعض الأصحاب وظاهر نقل المعونة والمازري .

وإذا علمت هذا فكلام الشارح محتمل لارتضاء القول الثاني ويحتمل أن المراد وليس مجرد الغيبة عليها فوتا بل لا بد أن يمكن فيها الوطء فيكون مرتضيا للقول الثالث فتأمل .

( قوله إن فاتت بوطء ) وأولى باستيلاد وتكون بذلك الولد أم ولد خلافا لعبق ; لأن لزوم قيمتها بمجرد الوطء أو الغيبة يوجب أنها حملت وهي في ملكه فيلزم أن تكون به أم ولد ، وقد صرح ابن عرفة بأنه لا حد عليه انظر بن ( قوله وجاز إن فاتت بحوالة سوق ) أي وليس فيه تتميم للفاسد ; لأن ذاتها عوض عما لزمه من القيمة ولا محذور في ذلك إن قلت ردها بذاتها يعارض قولهم للمقترض أن يرد المثل أو العين إذا لم يتغير القرض وهنا قد تغير فمقتضاه عدم رد العين قلت قولهم المذكور محمول على القرض الصحيح ( قوله أي كفاسد البيع ) أي فيجب رده إلا أن يفوت بمفوت فإنه يمضي بالقيمة ويحتمل أن المعنى فالقيمة كالقيمة في فاسده أي من كونها تعتبر يوم القبض هذا ، ويصح أن يكون المراد كفاسد القرض أي كفاسد جميع مسائل القرض وهذا مفاد التوضيح ( قوله إلى فاسد أصله ) أي وأصله البيع وإنما كان البيع أصلا للقرض ; لأن كلا منهما دفع متمول في - [ ص: 224 ] عوض إلا أن الغالب في دفع المتمول في العوض أن يكون على وجه المشاحة ، وأما كونه على طريق التفضل فهو خلاف الغالب .

( قوله فيفوت بالقيمة ) أي إن كان مقوما وإن كان مثليا فيرد مثله ، وقوله لا إلى صحيح نفسه أي بحيث يرد المثل سواء كان مثليا أو مقوما ( قوله وعلى هذا ) أي على جعل الضمير في فاسده في البيع فلا يستفاد إلخ أي ، وأما لو جعل الضمير في قوله كفاسده أي القرض يعني غير هذا الفرع فيستفاد من كلامه ذلك ، ومحصله أنه شبه بقية جزئيات القرض الفاسد بهذا الجزء منه .




الخدمات العلمية