الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا قال مجاهد : شديدة السموم فهو من الصر بفتح الصاد بمعنى الحر ، وقال ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي : باردة تهلك بشدة بردها من الصر بكسر الصاد وهو البرد الذي يصر أي يجمع ظاهر جلد الإنسان ويقبضه والأول أنسب لديار العرب ، وقال السدي أيضا وأبو عبيدة وابن قتيبة والطبري وجماعة : مصوتة من صر يصر إذا صوت ، وقال ابن السكيت : صرصر يجوز أن يكون من الصرة وهي الصيحة ومنه فأقبلت امرأته في صرة [الذاريات : 29] وفي الحديث أنه تعالى أمر خزنة الريح ففتحوا عليهم قدر حلقة الخاتم ولو فتحوا قدر منخر الثور لهلكت الدنيا ، وروي أنها كانت تحمل العير بأوقارها فترميهم في البحر في أيام نحسات جمع نحسة بكسر الحاء صفة مشبهة من نحس نحسا كعلم علما نقيض سعد سعدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحرميان وأبو عمرو والنخعي وعيسى والأعرج «نحسات » بسكون الحاء فاحتمل أن يكون مصدرا وصف به مبالغة ، واحتمل أن يكون صفة مخففا من فعل كصعب . وفي البحر تتبعت ما ذكره التصريفيون مما جاء صفة من فعل اللازم فلم يذكروا فيه فعلا بسكون العين وإنما ذكروا فعلا بالكسر كفرح وأفعل كأحور وفعلان كشبعان وفاعلا كسالم ، وهو صفة ( أيام ) وجمع بالألف والتاء لأنه صفة لما لا يعقل ، والمراد بها مشائيم عليهم لما أنهم عذبوا فيها ، فاليوم الواحد يوصف بالنحس والسعد بالنسبة إلى شخصين فيقال له سعد بالنسبة إلى من ينعم فيه ، ويقال له نحس بالنسبة إلى من يعذب ، وليس هذا مما يزعمه الناس من خصوصيات الأوقات ، لكن ذكر الكرماني في مناسكه عن ابن عباس أنه قال : الأيام كلها لله تعالى لكنه سبحانه خلق بعضها نحوسا وبعضها سعودا ، وتفسير نحسات بمشائيم مروي عن مجاهد وقتادة والسدي ، وقال الضحاك : أي شديدة البرد حتى كأن البرد عذاب لهم ، وأنشد الأصمعي في النحس بمعنى البرد :

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 113 ]

                                                                                                                                                                                                                                      كأن سلافه مزجت بنحس



                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : نحسات ذوات غبار ، وإليه ذهب الجبائي ومنه قول الراجز :


                                                                                                                                                                                                                                      قد اغتدى قبل طلوع الشمس     للصيد في يوم قليل النحس



                                                                                                                                                                                                                                      يريد قليل الغبار ، وكانت هذه الأيام من آخر شباط وتسمى أيام العجوز ، وكانت فيما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء ، وروي ما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء ، وقال السدي : أولها غداة يوم الأحد ، وقال الربيع بن أنس : يوم الجمعة لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا أضيف العذاب إلى الخزي وهو الذل على قصد وصفه به لقوله تعالى : ولعذاب الآخرة أخزى وهو في الأصل صفة المعذب وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة ، فإنه يدل على أن ذل الكافر زاد حتى اتصف به عذابه كما قرر في قولهم : شعر شاعر ، وهذا في مقابلة استكبارهم وتعظمهم . وقرئ «لتذيقهم » بالتاء على أن الفاعل ضمير الريح أو الأيام النحسات وهم لا ينصرون بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية