الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إن الذين يلحدون في آياتنا ينحرفون في تأويل آيات القرآن عن جهة الصحة والاستقامة فيحملونها على المحامل الباطلة ، وهو مراد ابن عباس بقوله : يضعون الكلام في غير موضعه ، وأصله من ألحد إذا مال عن الاستقامة فحفر في شق ويقال لحد . وقرئ «يلحدون » و «يلحدون » باللغتين ، وقال قتادة : هنا الإلحاد التكذيب ، وقال مجاهد : المكاء والصفير واللغو فالمعنى يميلون عما ينبغي ويليق في شأن آياتنا فيكذبون القرآن أو فيلغون ويصفرون عند قراءته ، وجوز أن يراد بالآيات ما يشمل جميع الكتب المنزلة وبالإلحاد ما يشمل تغيير اللفظ وتبديله لكن ذلك بالنسبة إلى غير القرآن لأنه لم يقع فيه كما وقع في غيره من الكتب على ما هو الشائع . وعن أبي مالك تفسير الآيات بالأدلة فالإلحاد في شأنها الطعن في دلالتها والإعراض عنها ، وهذا أوفق بقوله تعالى : [ ص: 127 ] ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة .. إلخ ، وما تقدم أوفق بقوله سبحانه : وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه [فصلت : 26] وبما بعد ، والآية على تفسير مجاهد أوفق وأوفق .

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد بقوله تعالى : لا يخفون علينا مجازاتهم على الإلحاد فالآية وعيد لهم وتهديد ، وقوله تعالى : أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة تنبيه على كيفية الجزاء ، وكان الظاهر أن يقابل الإلقاء في النار بدخول الجنة لكنه عدل عنه إلى ما في النظم الجليل اعتناء بشأن المؤمنين لأن الأمن من العذاب أعم وأهم ولذا عبر في الأول بالإلقاء الدال على القسر والقهر وفيه بالإتيان الدال على أنه بالاختيار والرضا مع الأمن ودخول الجنة لا ينفي أن يبدل حالهم من بعد خوفهم أمنا ، وجوز أن تكون الآية من الاحتباك بتقدير من يأتي خائفا ويلقى في النار ومن يأتي آمنا ويدخل الجنة فحذف من الأول مقابل الثاني ومن الثاني مقابل الأول وفيه بعد . والآية كما قال ابن بحر عامة في كل كافر ومؤمن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أفمن يلقى في النار أبو جهل أم من يأتي آمنا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، وأخرج عبد الرزاق وغيره عن بشير بن تميم من يلقى في النار أبو جهل ومن يأتي آمنا عمار ، والآية نزلت فيهما ، وقال مقاتل : نزلت في أبي جهل وعثمان بن عفان ، وقيل : فيه وفي عمر ، وقيل : فيه وفي حمزة ، وقال الكلبي : فيه وفي الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم اعملوا ما شئتم تهديد شديد للكفرة الملحدين الذين يلقون في النار وليس المقصود حقيقة الأمر إنه بما تعملون بصير فيجازيكم بحسب أعمالكم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية