الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه صفة أخرى لكتاب ، وما بين يديه وما خلفه كناية عن جميع الجهات كالصباح والمساء كناية عن الزمان كله أي لا يتطرق إليه الباطل من جميع جهاته ، وفيه تمثيل لتشبيهه بشخص حمي من جميع جهاته فلا يمكن أعداءه الوصول إليه لأنه في حصن حصين من حماية الحق المبين ، وجوز أن يكون المعنى لا يأتيه الباطل من جهة ما أخبر به من الأخبار الماضية والأمور الآتية . وقيل : الباطل بمعنى المبطل كوارس بمعنى مورس أو هو مصدر كالعافية بمعنى مبطل أيضا وقوله تعالى : تنزيل من حكيم حميد أي محمود على ما أسدى من النعم التي منها تنزيل الكتاب ، وحمده سبحانه : بلسان الحال متحقق من كل منعم عليه وبلسان القال متحقق ممن وفق لذلك خبر مبتدأ محذوف أو صفة أخرى لكتاب مفيدة لفخامته الإضافية كما أن الصفتين السابقتين مفيدتان لفخامته الذاتية .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : لا يأتيه .. إلخ . اعتراض عند من لا يجوز تقديم غير الصريح من الصفات على الصريح كل ذلك لتأكيد بطلان الكفر بالقرآن ، واختلفوا في خبر ( إن ) أمذكور هو أو محذوف [ ص: 128 ] فقيل : مذكور وهو قوله تعالى : أولئك ينادون من مكان بعيد وهو قول أبي عمرو بن العلاء في حكاية جرت بينه وبين بلال بن أبي بردة سئل بلال في مجلسه عن هذا فقال : لم أجد لها نفاذا فقال له أبو عمرو : إنه منك لقريب أولئك ينادون من مكان بعيد وذهب إليه الحوفي وهو في مكان بعيد ، وذهب أبو حيان إلى أنه قوله تعالى : لا يأتيه الباطل بحذف العائد أي الكافرون وحاله أنه كتاب عزيز لا يأتيه الباطل منهم أي متى راموا إبطالا له لم يصلوا إليه أو بجعل أل في الباطل عوضا من الضمير به على قول الكوفيين أي لا يأتيه باطلهم أو قوله سبحانه : ما يقال لك .. إلخ . والعائد أيضا محذوف أي ما يقال لك في شأنهم أو فيهم إلا ما قد قيل للرسل من قبلك أي أوحى إليك في شأن هؤلاء المكذبين لك ولما جئت به مثل ما أوحى إلى من قبلك من الرسل وهو أنهم عاقبتهم سيئة في الدنيا بالهلاك وفي الآخرة بالعذاب الدائم ثم قال : وغاية ما في هذين التوجيهين حذف الضمير العائد وهو موجود نحو السمن منوان بدرهم والبر كر بدرهم أي منه .

                                                                                                                                                                                                                                      ونقل عن بعض نحاة الكوفة أن الخبر في قوله تعالى : وإنه لكتاب عزيز وتعقبه بأنه لا يتعقل ، وقيل : هو محذوف وخبر ( إن ) يحذف لفهم المعنى ، وسأل عيسى بن عمر عمرو بن عبيد عن ذلك فقال عمرو : معناه في التفسير أن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به وإنه لكتاب عزيز فقال عيسى : أجدت يا أبا عثمان . وقال قوم : تقديره معاندون أو هالكون ، وقال الكسائي : قد سد مسده ما تقدم من الكلام قبل وهو قوله تعالى : أفمن يلقى وكأنه يريد أنه محذوف دل عليه ما قبله فيمكن أن يقدر يخلدون في النار ، ويقدر الخبر على ما استحسنه ابن عطية بعد ( حميد ) وفي الكشاف أنه قوله تعالى : إن الذين كفروا بالذكر بدل من قوله تعالى : إن الذين يلحدون في آياتنا قال في البحر : ولم يتعرض بصريح الكلام إلى خبر ( إن ) أمذكور هو أو محذوف لكنه قد يدعي أنه أشار إلى ذلك فإن المحكوم به على المبدل منه هو المحكوم به على البدل فيكون التقدير إن الذين يلحدون في آياتنا إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم لا يخفون علينا . وفي الكشف فائدة هذا الإبدال التنبيه على أنه ما يحملهم على الإلحاد إلا مجرد الكفر ، وفيه إمداد التحذير من وجوه ما ذكر من التنبيه ووضع الذكر موضع الضمير الراجع إلى الآيات زيادة تحسير لهم ، وما في ( لما ) من معنى مفاجأتهم بالكفر أول ما جاء ، وما فيه من التعظيم لشأن الآيات والتمهيد للحديث عن كمال الكتاب الدال على سوء مغبة الملحد فيه ، ثم الأشبه أن يحمل كلام الكشاف على أن الخبر محذوف لدلالة السابق عليه ولزيادة التهويل لذهاب الوهم كل مذهب وتكون الجملة بدلا عن الجملة لأن البدل بتكرير العامل إنما جوز في المجرور لشدة الاتصال . انتهى . فتأمل والله تعالى الموفق ما

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية