الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يقال لك إلى آخره تسلية له صلى الله تعالى عليه وسلم عما يصيبه من أذية الكفار من طعنهم في كتابه وغير ذلك فالقائل الكفار أي ما يقول كفار قومك في شأنك وشأن ما أنزل إليك من القرآن إلا ما قد قيل أي مثل ما قد قال الكفرة السابقون للرسل من قبلك من الكلام المؤذي المتضمن للطعن فيما أنزل إليهم ، وهذا نظير قوله تعالى : كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون [الذاريات : 52] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم قيل : تعليل لما يستفاد من السياق من الأمر بالصبر كأنه قيل : ما يقال لك إلا نحو ما قيل لأمثالك من الرسل فاصبر كما صبروا إن ربك لذو مغفرة عظيمة [ ص: 129 ] لأوليائه وذو عقاب أليم لأعدائهم فينصر أولياءه وينتقم من أعدائهم ، أو جواب سؤال مقدر كأنه قيل : ثم ماذا ؟ فقيل : إن ربك لذو مغفرة لأوليائه وذو عقاب أليم لأعدائهم وقد نصر لذلك من قبلك من الرسل عليهم السلام وانتقم من أعدائهم وسيفعل ذلك بك وبأعدائك أيضا ، وجوز أن يكون القائل هو الله تعالى والمعنى على ما سمعت عن أبي حيان وقد جعل هذه الجملة خبر ( إن ) أي ما يوحي الله تعالى إليك في شأن الكفار المؤذين لك إلا مثل ما أوحى للرسل من قبلك في شأن الكفار المؤذين لهم من أن عاقبتهم سيئة في الدنيا بالهلاك وفي الآخرة بالعذاب الأليم فاصبر إن ربك.. إلخ ، وقد يجعل إن ربك .. إلخ . باعتبار مضمونه تفسيرا للمقول فحاصل المعنى ما أوحى إليك وإلى الرسل إلا وعد المؤمنين بالمغفرة والكافرين بالعقوبة دون العكس الذي يزعمه الكفرة بلسان حالهم فاصبر فسينجز الله تعالى وعده ، وقيل : المقول هو الشرائع أي ما يوحى إليك إلا مثل ما أوحي إلى الرسل من الشرائع دون أمور الدنيا وقد جرت عادة الكفار بتكذيب ذلك فما عليك إذا كذب كفار قومك واصبر على ذلك ، وجعل إن ربك .. إلخ . تعليلا لما يستفاد من السياق أيضا ، وجعله بعضهم تفسيرا لذلك المقول أعني الشرائع لأنها الأوامر والنواهي الإلهية وهي مجملة فيه ، وفيه من البعد ما فيه ، وإلى نحو ما ذكرناه أولا ذهب قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن أبي حاتم عنه أنه قال في الآية : ما يقال لك من التكذيب إلا ما قد قيل للرسل من قبلك فكما كذبوا كذبت وكما صبروا على أذى قومهم لهم فاصبر على أذى قومك لك ، واختيار ( أليم ) على شديد مع أنه أنسب بالفواصل للإيماء إلى أن نظم القرآن ليس كالأسجاع والخطب وأن حسنه ذاتي والنظر فيه إلى المعاني دون الألفاظ ، ويحسن وصف العقاب به هنا كون العقاب جزاء التكذيب المؤلم

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية