الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أما بعد فإن النكاح معين على الدين ومهين للشياطين وحصن دون عدو الله حصين وسبب للتكثير الذي به مباهاة سيد المرسلين لسائر النبيين فما أحراه بأن تتحرى أسبابه وتحفظ سننه وآدابه وتشرح مقاصده وآرابه وتفصل ، فصوله وأبوابه .

والقدر المهم من أحكامه ينكشف في ثلاثة أبواب .

الباب الأول : في الترغيب فيه وعنه .

الباب الثاني : في الآداب المرعية في العقد والعاقدين .

الباب الثالث: في آداب المعاشرة بعد العقد إلى الفراق .

التالي السابق


(أما بعد فإن النكاح) هو بالكسر في كلام العرب الوطء، وقيل: العقد له وهو التزويج لأنه سبب للوطء المباح، وفي الصحاح: النكاح الوطء، وقد يكون العقد، وفي المحكم: النكاح البضع، وذلك في نوع الإنسان خاصة، واستعمله ثعلب في الذباب .

وقال شيخنا في حاشية القاموس: واستعماله في الوطء والعقد مما وقع فيه الاختلاف هل هو حقيقة في الكل أو مجاز في الكل، أو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر ؟ قالوا: لم يرد النكاح في القرآن إلا بمعنى العقد لأنه في الوطء صريح، وفي العقد كناية عنه. قالوا: وهو أوفق بالبلاغة والأدب كما ذكره الزمخشري والراغب وغيرهما. وقال ابن فارس: يطلق على الوطء وعلى العقد دون الوطء. وقال ابن القوطية: نكحتها إذا وطئتها وتزوجتها، وأقره ابن القطاع ووافقهما السراقسطي. وفي المصباح: هو من نكحه الدواء إذا خامره وغلبه، أو من تناكحت الأشجار إذا انضم بعضها إلى بعض، أو من نكح المطر الأرض إذا اختلط بثراها، وعلى هذا يكون النكاح مجازا في العقد والوطء جميعا لأنه مأخوذ من غيره، فلا يستقيم القول بأنه حقيقة فيهما ولا في أحدهما .

ويؤيده أنه لا يفهم العقد إلا بقرينة نحو: نكح في بني فلان، ولا يفهم الوطء إلا بقرينة نحو: نكح زوجته، وذلك من علامات المجاز، وإن قيل غير مأخوذ من شيء فيتعين التواطؤ والاشتراك، واستعماله لغة في العقد أغلب. اهـ .

وفي نسخة من الصحاح فيترجح الاشتراك لأنه لا يفهم من قسيمه إلا بقرينة. قال شيخنا: وهذا من المجاز أقرب، وقول صاحب المصباح واستعماله لغة في العقد أغلب هو ظاهر كلام جماعة، وظاهر سياق القاموس كالجوهري عكسه لأنه قدم الوطء، ثم ظاهر الصحاح أن استعماله في العقد قليل أو مجاز، وكلام صاحب القاموس يدل على تساويهما، وفي موضح المختار لبعض أصحابنا: النكاح يذكر لثلاثة أشياء للعقد، وللوطء الحلال، وللمعنى الذي تترتب عليه أحكام هذا العقد كتملك متعة البضع. وفي القيد الأخير احتراز عن البيع ونحوه لأن المعقود فيه تملك الرقبة، وملك المتعة داخل فيه ضمنا. وقال فخر الإسلام البزدوي: النكاح اسم للعقد الشرعي الذي تترتب عليه أحكام ومقاصد، وقد يذكر ويراد به الوطء، وقيل: إنه حقيقة لهما لأنه عبارة عن الضم والاجتماع، ومعنى الضم موجود في العقد والوطء، فكان حقيقة لهما، والأصح أنه حقيقة للوطء خاصة لأنه لما كان للضم لغة فجعله حقيقة لما فيه معنى الضم أبلغ وهو الوطء أولى، ولا يجوز أن يكون حقيقة لهما لأنه يؤدي إلى الاشتراك. اهـ .

وفي شرح البخاري للقسطلاني: اختلف أصحابنا في حقيقة النكاح على ثلاثة أوجه حكاها القاضي حسين في تعليقه. أصحها أنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء، وهو الذي صححه القاضي أبو الطيب وقطع به المتولي وغيره واحتج له بكثرة وروده في الكتاب والسنة للعقد، والثاني: أنه حقيقة في الوطء مجاز في العقد وهو مذهب الحنفية، والثالث: أنه حقيقة فيهما بالاشتراك، ويتعين المقصود بالقرينة. اهـ .

(معين على الدين) أي: على حفظه وضبطه من أن يشوبه ما يخالف أموره، (ومهين) أي: مذل (للشياطين) وهم جنود إبليس (وحصن دون عدو الله حصين) أي: مانع من شره وشركه، (وسبب للتكثير) للنسل (الذي به مباهاة) أي: مفاخرة (سيد الأولين) والآخرين -صلى الله عليه وسلم- (لسائر النبيين) عليهم السلام أشار به إلى الخبر الآتي ذكره: " تزوجوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم ". (فما أحراه) أي: أليقه (بأن تتحرى) أي تضبط (أسبابه) الموصلة المعينة على حصوله، وأصل التحري طلب أولى الأمرين، (و) أن (تحفظ) وتراعي (سننه وآدابه و) أن (تشرح مقاصده وآرابه، و) أن (تفصل فصوله وأبوابه والقدر المهم) الذي لا بد من معرفته (من أحكامه ينكشف) بيانه (في ثلاثة أبواب) :

(الباب الأول: في) بيان (الترغيب فيه و) الترغيب (عنه) باختلاف الأحوال والأشخاص .

(الباب الثاني: في الآداب المرعية في العقد والعاقدين) الخاطب والمخطوبة .

(الباب الثالث: في آداب المعاشرة) بينهما (من بعد العقد إلى الفراق) .




الخدمات العلمية