الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب ستر العورة

فائدتان إحداهما : قوله ( وسترها عن النظر بما لا يصف البشرة واجب ) . فلا يجوز كشفها . واعلم أن كشفها في غير الصلاة : تارة يكون في خلوة وتارة يكون مع زوجته ، أو سريته ، وتارة يكون مع غيرهما . فإن كان مع غيرهما : حرم كشفها . ووجب سترها إلا لضرورة ، كالتداوي والختان ، ومعرفة البلوغ ، والبكارة ، والثيوبة ، والعيب ، والولادة ، ونحو ذلك ، وإن كان مع زوجته أو سريته جاز له ذلك ، وإن كان في خلوة ، فإن كان ثم حاجة كالتخلي ونحوه جاز ، وإن لم تكن حاجة ، فالصحيح من المذهب : أنه يحرم . جزم به في التلخيص . قال في المستوعب : وستر العورة واجب في الصلاة وغيرها وصححه المجد في شرحه ، وابن عبيدان في مجمع البحرين ، والحاوي الكبير وقدمه في الرعايتين . وعنه يكره اختاره القاضي وغيره وقدمه في الفائق وقدم في النظم : أنه غير محرم ، وأطلقهما في الفروع في باب الاستنجاء ، وابن تميم . وتقدم هذا أيضا هناك . وعنه يجوز من غير كراهة . ذكرها في النكت ، وهو وجه ذكره أبو المعالي ، وصاحب الرعاية . [ ص: 448 ]

فعلى القول بالتحريم أو الكراهة : لا فرق بين أن يكون في ظلمة ، أو حمام أو يحضره ملك ، أو جني ، أو حيوان بهيم أو لا . ذكره في الرعاية وغيره . الثانية : يجب ستر العورة في الصلاة عن نفسه وعن غيره . فلو صلى في قميص واسع الجيب ، ولم يزره ولا شد وسطه ، وكان بحيث يرى عورته في قيامه أو ركوعه فهو كرؤية غيره في منع الإجزاء نص عليه ، ولا يعتبر سترها من أسفل على الصحيح من المذهب . واعتبره أبو المعالي إن تيسر النظر . وقال في الرعاية الكبرى قلت : فلو صلى على حائط ، فرأى عورته من تحت . بطلت صلاته . انتهى .

ويكفي في سترها نبات ونحوه ، كالحشيش والورق على الصحيح من المذهب . وقيل : لا يكفي الحشيش مع وجود ثوب . ويكفي متصل به ، كيده ولحيته ، على الصحيح من المذهب ونص عليه . وعنه لا يكفي . وهي وجه في ابن تميم . وقد تردد القاضي في شرح المذهب في الستر بلحيته فجزم تارة بأن الستر بالمتصل ليس بستر في الصلاة . ثم ذكر نص أحمد . ورجع إلى أنه ستر في الصلاة . انتهى .

ولا يلزمه لبس بارية وحصير ونحوهما مما يضره . ولا ضفيرة . ولا يلزم سترها بالطين ولا بالماء الكدر جزم به في الكافي ، والإفادات ، والفائق ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير وجزم به ابن الجوزي ، والشارح ، وابن رزين في الماء وقدمه في الطين . وقيل : يلزمه الستر بهما . وأطلقهما في الفروع ، والرعاية الكبرى واختار ابن عقيل : يجب بالطين لا بالماء الكدر . وقال المجد في شرحه ، وابن عبيدان ، وصاحب الحاوي : أظهر الوجهين لا يلزمه أن يطين به عورته . قال الشيخ تقي الدين : اختار الآمدي وغيره عدم لزوم الاستتار بالطين . قال : وهو الصواب المقطوع به وقيل : إنه المنصوص عن أحمد . انتهى .

وجزم في التلخيص بأنه لا يلزمه الستر بالماء . وأطلق في الطين الوجهين . فعلى القول بوجوب سترها بالطين : لو صلى به ، ثم تناثر شيء لم يلزمه إعادته على الصحيح . وقال ابن أبي الفهم : يلزمه . وأطلق الوجهين في الرعاية الكبرى . [ ص: 449 ]

تنبيه :

مفهوم قوله " بما لا يصف البشرة " أنه إذا كان يصف البشرة لا يصح الستر به ، وهو صحيح ، وهو المذهب . وعليه الأصحاب ، مثل أن يكون خفيفا فيبين من ورائه الجلد وحمرته .

فأما إن كان يستر اللون ، ويصف الخلقة : لم يضر . قال الأصحاب : لا يضر إذا وصف التقاطيع ، ولا بأس بذلك نص عليه ، لمشقة الاحتراز . ونقل مهنا تغطي خفها لأنه يصف قدمها ، واحتج به القاضي على أن القدم عورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية