الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات عطف على يقبل التوبة فالفاعل ضميره تعالى والذين مفعول بدون تقدير شيء بناء على أن يستجيب يتعدى بنفسه كما يتعدى باللام نحو شكرته وشكرت له أو بتقدير اللام على أنه من باب الحذف والإيصال والأصل يستجيب للذين آمنوا بناء على أنه يتعدى للداعي باللام وللدعاء بنفسه ونحو هذا قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب



                                                                                                                                                                                                                                      وأجاب واستجاب بمعنى أي ويجيب الله تعالى الذين آمنوا إذا دعوا وحاصله يجيب دعاءهم، وجوز بعضهم أن يكون الكلام بتقدير هذا المضاف قيل: وهو أولى من القول بإيصال الفعل بحذف الصلة لأن حذف المضاف إذا لم يلبس منقاس وذاك مسموع، ويجوز أن يكون المراد يثيبهم على طاعتهم فإن الطاعة لكونها طلب ما يترتب عليها من الثواب شابهت الدعاء وشابهت الإثابة عليها الإجابة، ومن هذا يسمى الثناء دعاء لأنه يترتب عليه ما يترتب عليه، وسئل سفيان عن قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: (أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) فقال: هذا كقوله تعالى في الحديث القدسي: (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) ألا ترى قول أمية بن الصلت لابن جدعان حين أتاه يبغي نائله:


                                                                                                                                                                                                                                      أأذكر حاجتي أم قد كفاني     ثناؤك إن شيمتك الحياء
                                                                                                                                                                                                                                      إذا أثنى عليك المرء يوما     كفاه عن تعرضك الثناء



                                                                                                                                                                                                                                      وجعلوا من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (أفضل الدعاء الحمد لله) على معنى أن الحمد يدل على الدعاء والسؤال بطريق الكناية والتعريض، وقيل: هو على إطلاق الدعاء على الحمد لشبهه به في طلب ما يترتب عليه، وجوز أن يراد بالإجابة معناها الحقيقي والإثابة بناء على القول بصحة الجمع بين الحقيقة والمجاز أي يجيب دعاءهم ويثيبهم على الطاعة ويزيدهم على ما سألوا واستحقوا من فضله الواسع جل شأنه، وقيل: إن فاعل ويستجيب الذين آمنوا واستظهره أبو حيان ، والجملة عطف على مجموع قوله تعالى: وهو الذي يقبل التوبة إلخ أي ينقادون لله تعالى ويجيبونه سبحانه إذا دعاهم، وهو المروي عن ابن جبير ، وعن إبراهيم بن أدهم أنه قيل له: ما لنا ندعو فلا نجاب؟ فقال: لأنه سبحانه دعاكم فلم تجيبوه ثم قرأ والله يدعو إلى دار السلام . ويستجيب الذين آمنوا وهذا يؤكد هذا الوجه لأنه قدس سره ذكر أن الله تعالى دعاكم بقوله عز وجل: والله يدعو إلى دار السلام وذكر أن المؤمن من استجاب دعوة ربه تعالى بقوله: ويستجيب الذين آمنوا فمن لا يجيب دعاءه تعالى لا يجيب تعالى أيضا دعاءه، وكون الفاعل ضميره تعالى قد روى ما يقتضيه عن ابن عباس . ومعاذ بن جبل ويزيدهم عليه عطف على ما قبله وعلى الوجه الآخر عطف على مقدر أي فيوفيهم أجورهم ويزيدهم عليها على أسلوب وقالا الحمد لله الذي فضلنا وقوله سبحانه: من [ ص: 38 ] فضله متعلق بيزيدهم مطلقا، وجوز تعليقه بالفعلين على التنازع فإن الإجابة والثواب فضل منه تعالى كالزيادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وأيا ما كان فالظاهر عموم الذين آمنوا وروي عن سعيد بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها: نأتي رسول الله عليه الصلاة والسلام ونقول له: إن تعرك أمور فهذه أموالنا تحكم فيها فنزلت قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فقرأها عليهم، وقال تودون قرابتي من بعدي فخرجوا مسلمين فقال المنافقون: إن هذا لشيء افتراه في مجلسه أراد بذلك عز قرابته من بعده فنزلت أم يقولون افترى على الله كذبا فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا وندموا فأنزل الله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده فأرسل صلى الله عليه وسلم إليهم فبشرهم وقال: ويستجيب الذين آمنوا وهم الذين سلموا لقوله ذكر ذلك الطبرسي، وذكر قريبا منه في الدر المنثور لكن قال: أخرجه الطبراني في الأوسط. وابن مردويه عن ابن جبير بسند ضعيف، والذي يغلب على الظن الوضع والكافرون لهم عذاب شديد بدل ما للمؤمنين من الإجابة والتفضل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية