الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا الإفضاء معناه: الخلوص، أي: يخلص كل واحد للآخر، وفسر بأنه الخلوة بين الرجل وزوجه ليس معهما أحد؛ لأن الفضاء هو الذي يكون بينهما. والاستنكار هنا للحال الواقعة، فالأول كان استنكارا لذات الأخذ، وهنا الاستنكار لما أحاط بالأخذ من أحوال. والمؤدى أن الأخذ عند إرادة الاستبدال أمر مستنكر في ذاته، ثم هو مستنكر لأجل الأحوال التي كانت بين الزوجين. وقد ذكر سبحانه وتعالى سببين للاستنكار: أحدهما - الإفضاء وخلوص زوج لنفس صاحبه حتى صارا كأنهما نفس واحدة. وثانيهما - الميثاق الغليظ أي: الشديد القوي الثابت الذي هو عهد ثقيل لا يصح منه التخلص. وذلك الميثاق، هو الارتباط بين الزوجين أمدا [ ص: 1625 ] صارت فيه نفس كل واحد قطعة من الآخر، وهو أمر الله تعالى إذ يقول: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وليس الأخذ من التسريح بإحسان، وهو المودة التي تظل بين الزوجين في مدة الحياة الزوجية التي صورها الله سبحانه وتعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون

                                                          هذا، وقبل أن نختم الكلام في هذه الآيات نقرر أمرين: أحدهما - أن الرجل في افتراقه عن زوجه لا يحل له دينا أن يأخذ منها شيئا إذا كان النشوز من جانبه، ولا يحل أن يأخذ أكثر مما أعطى إذا كان النشوز من جانبها، وما أخذ في غير ذلك يكون كسبا خبيثا، وقد اتفق على ذلك العلماء.

                                                          ثانيهما - أن قوله تعالى: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا تدل على أنه ليس للمهر حد أعلى، وقد استدلت بذلك امرأة أمام أمير المؤمنين عمر عندما قال: ( ألا لا تغالوا في صدقات النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ما أمهر قط امرأة من بناته ولا نسائه فوق اثنتي عشرة أوقية . وجعل رضي الله عنه ذلك حدا أعلى، فقالت امرأة: يعطينا الله وتحرمنا؟! وتلت الآية، فقال الإمام العادل: (أخطأ عمر وأصابت امرأة) . ولكن عمر كان ينظر بنور الله وروح الإسلام، فإن أخطأ في الحد بمقدار، فإنه لم يخطئ في منع المغالاة في المهور، ولله عاقبة الأمور.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية