الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( كتاب أدب القاضي ) [ ص: 251 ]

التالي السابق


( كتاب أدب القاضي ) لما كان أكثر المنازعات في الديون والبياعات والمنازعات محتاجة إلى قطعها أعقبها بما هو القاطع لها وهو القضاء . والأدب الخصال الحميدة والقاضي محتاج إليها فأفادها ، وهو أن ذكر ما ينبغي للقاضي أن يفعله ويكون عليه ; وسميت الخصال الحميدة أدبا لأنها تدعو إلى الخير ، والأدب في الأصل من الأدب بسكون الدال هو الجمع [ ص: 252 ] والدعاء ، وهو أن تجمع الناس وتدعوهم إلى طعامك ، يقال منه أدب زيد يأدب أدبا بوزن ضرب يضرب ضربا إذا دعاك إلى طعامه فهو آدب ، والمأدبة الطعام المصنوع المدعو إليه ، ومنه قول طرفة بن العبد يمدح قومه بني بكر بن وائل :

ورثوا السؤدد عن آبائهم ثم سادوا سؤددا غير زمر نحن في المشتاة ندعو الجفلى
لا ترى الآدب فينا ينتقر

ومنه ما ذكر أبو عبيد في قول ابن مسعود : إن هذا القرآن مأدبة الله ، فمن دخل فيه فهو آمن . وروي عنه أيضا مأدبة الله فتعلموا من مأدبته ، بفتح الدال : أي تأديبه ، وكان الأحمر يجعلهما لغتين . قال أبو عبيد : لم أسمع أحدا يقول هذا غيره . وأما القضاء فقال ابن قتيبة : يستعمل لمعان كلها ترجع إلى الختم والفراغ من الأمر : يعني بإكماله . وفي الشرع يراد به الإلزام ، ويقال له الحكم لما فيه من منع الظالم عن الظلم من الحكمة التي تجعل في رأس الفرس . .



وأما وصف القضاء ففرض كفاية ، فلو امتنع الكل أثموا هذا إذا كان السلطان لا يفصل بنفسه ، فإن فعل لم يأثموا كما في البزازية ، وللسلطان أن يكره من يعلم قدرته عليه لأنه لا بد من إيصال الحقوق إلى أربابها بإلزام المانعين منها ، ولا يكون ذلك إلا بالقضاء ، وقد أمر الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } وقبله صلى الله عليه وسلم داود بقوله تعالى { فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى } { وبعث صلى الله عليه وسلم عليا قاضيا على اليمن ومعاذا وقال له : بم تقضي ؟ فقال : بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد ، قال : بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فإن لم تجد ، قال : أجتهد برأيي فأقره } وعليه إجماع المسلمين .




الخدمات العلمية