الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 230 ] سورة حم عسق وتسمى أيضا عسق والشورى

                                                                                                                                                                                                                                      مقصودها الاجتماع على الدين الذي أساسه الإيمان، وأم دعائمه الصلاة، وروح أمره الألفة بالمشاورة المقتضية لكل أهل الدين كلهم في سواء كما أنهم في العبودية لشارعه سواء، وأعظم نافع في ذلك الإنفاق والمؤاساة فيما في اليد، والعفو والصفح عن المسيء، والإذعان للحق وإن صعب وشق، وذلك كله الداعي إليه هذا الكتاب الذي هو روح جسد هذا الدين المعبر عما دعا إليه من محاسن الأعمال، وشرائف الخلال بالصراط المستقيم، وإلى ذلك لوح آخر آخر السورة الماضية حتى يتبين لهم أنه الحق ( ألا إنه بكل شيء محيط (وصرح ما في هذه من قوله: أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه إلا المودة في القربى استجيبوا لربكم نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ألا إلى الله تصير الأمور (وتسميتها بالشورى واضح المطابقة لذلك لما في الانتهاء وكذلك بالأحرف المتقطعة فإنها جامعة للمخارج الثلاثة: الحلق والشفة واللسان، وكذا [ ص: 231 ] جمعها لصنفي المنقوطة والعاطلة، ووصفي المجهورة والمهموسة، وهي واسطة جامعة بين حروف أم الكتاب الذكر الأول، وحروف القرآن العظيم، وهذا المقصود هو غاية المقصود من أختها سورة مريم الموافقة لها في الابتداء بالتساوي في عدد الحروف المقطعة، وفي الانتهاء من حيث أن من اختص بمصير الأمور، كان المختص بالقدرة على إهلاك القرون، وذلك لأن مقصودها اتصافه تعالى بشمول الرحمة بإفاضة جميع النعم على جميع خلقه، وغاية هذا الاجتماع على الدين، ولما توافقتا في المقصود في الابتداء والانتهاء، واختصت الشورى بأن حروفها اثنان، دل سبحانه بذلك أرباب البصائر على أنه إشارة إلى أن الدين قسمان: أصول وفروع، دلت مريم على الأصول

                                                                                                                                                                                                                                      ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم،

                                                                                                                                                                                                                                      هل تعلم له سميا والشورى على مجموع الدين أصولا وفروعا شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك (الآية، هذا موافقة البداية، وأما موافقة النهاية فهو أنهما ختمتا بكلمتين: أول كل منهما آخر الأخرى وآخر كل أول الأخرى وإيذانا بأن السورتين دائرة واحدة محيطة بالدين متصلة لا انفصام لها، وذلك أن آخر مريم أول الشورى وآخر الشورى أول مريم فإنما يسرناه بلسانك (، الآية هو كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب [ ص: 232 ] ولا الإيمان (إلى آخرها هو ذكر رحمت ربك عبده زكريا (- إلى آخر القصة في الدعاء بإرث الحكمة والنبوة الذي روحه الوحي والله الهادي، وكذا تسميتها ببعضها بدلالة الجزء على الكل بسم الله (الذي أحاط بصفات الكمال، فنفذ أمره، فاستجاب له كل شيء طوعا أو كرها الرحمن (الذي عمت رحمته فهيأت عباده لقبول أمره الرحيم (الذي خص أولياءه بما ترتضيه الإلهية من رحمته، فجمع كلمتهم على دينه عقدا وفعلا ومآلا

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية