الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 387 ] سورة الزخرف .

بسم الله الرحمن الرحيم .

قال تعالى : ( حم ( 1 ) والكتاب المبين ( 2 ) ) .

قوله تعالى : ( والكتاب ) : من جعل " حم " قسما كانت الواو للعطف ، ومن قال غير ذلك جعلها للقسم .

قال تعالى : ( إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ( 3 ) وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ( 4 ) أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين ( 5 ) ) قوله تعالى : ( في أم الكتاب ) : يتعلق بعلي ، واللام لا تمنع ذلك .

و ( لدينا ) : بدل من الجار والمجرور . ويجوز أن يكون حالا من الكتاب ، أو من " أم " . ولا يجوز أن يكون واحد من الظرفين خبرا ؛ لأن الخبر قد لزم أن يكون " علي " من أجل اللام ، ولكن يجوز أن كل واحد منهما صفة للخبر ، فصارت حالا بتقدمها .

و ( صفحا ) : مصدر من معنى نضرب ؛ لأنه بمعنى نصفح ؛ ويجوز أن يكون حالا .

وقرئ بضم الصاد ؛ والأشبه أن يكون لغة . و ( أن ) بفتح - الهمزة بمعنى : لأن كنتم ، وبكسرها على الشرط . وما تقدم يدل على الجواب .

قال تعالى : ( وكم أرسلنا من نبي في الأولين ( 6 ) وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون ( 7 ) فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين ( 8 ) ) .

( وكم ) نصب بـ " أرسلنا " و ( بطشا ) تمييز . وقيل : مصدر في موضع الحال من الفاعل ؛ أي أهلكناهم باطشين .

قال تعالى : ( وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم ( 17 ) ) .

قوله تعالى : ( وجهه مسودا ) : اسم ظل وخبرها ؛ ويجوز أن يكون في " ظل " اسمها مضمرا يرجع على أحدهم ، ووجهه بدل منه . ويقرآن بالرفع على أنه مبتدأ وخبر في موضع خبر ظل . ( وهو كظيم ) : في موضع نصب على الحال من اسم " ظل " أو من الضمير في " مسودا " . [ ص: 388 ] قال تعالى : ( أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ( 18 ) ) .

قوله تعالى : ( أومن ) : " من " في موضع نصب ، تقديره : أتجعلون من ينشأ ، أو في موضع رفع ؛ أي أومن ينشأ جزء أو ولد . و ( في الخصام ) : يتعلق بـ " مبين " . فإن قلت : المضاف إليه لا يعمل فيما قبله ؟ .

قيل : إلا في " غير " لأن فيها معنى النفي ؛ فكأنه قال : وهو لا يبين في الخصام ، ومثله مسألة الكتاب : أنا زيدا غير ضارب . وقيل : ينتصب بفعل يفسره ضارب ، وكذا في الآية .

قال تعالى : ( قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ( 24 ) ) .

قوله تعالى : ( قل أولو ) : على لفظ الأمر ، وهو مستأنف . ويقرأ ( قال ) - يعني النذير المذكور .

قال تعالى : ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون ( 26 ) ) .

قوله تعالى : ( براء ) : بفتح الباء وهمزة واحدة ، وهو مصدر في موضع اسم الفاعل بمعنى بريء ، وقد قرئ به .

قال تعالى : ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( 31 ) ) .

قوله تعالى : ( على رجل من القريتين ) أي من إحدى القريتين : مكة ، والطائف . وقيل : التقدير : على رجل من رجلين من القريتين .

وقيل : كان الرجل من يسكن مكة والطائف ويتردد إليهما ؛ فصار كأنه من أهلهما .

قال تعالى : ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ( 33 ) ) .

قوله تعالى : ( لبيوتهم ) : هو بدل بإعادة الجار ؛ أي لبيوت من كفر .

[ ص: 389 ] والسقف واحد في معنى الجمع ؛ وسقفا - بالضم - جمع ، مثل رهن ورهن .

قال تعالى : ( حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ( 38 ) ) .

قوله تعالى : ( جاءنا ) : على الإفراد ردا على لفظ من ، وعلى التثنية ردا على القريتين : الكافر ، وشيطانه . و ( المشرقين ) : قيل : أراد المشرق والمغرب ، فغلب مثل القمرين .

قال تعالى : ( ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ( 39 ) ) .

قوله تعالى : ( ولن ينفعكم ) : في الفاعل وجهان ؛ أحدهما : " أنكم " وما عملت فيه ؛ أي لا ينفعكم تأسيكم في العذاب .

والثاني : أن يكون ضمير التمني المدلول عليه بقوله : ( ياليت بيني وبينك ) : أي لن ينفعكم تمني التباعد ؛ فعلى هذا يكون " أنكم " بمعنى لأنكم .

فأما ( إذ ) فمشكله الأمر ؛ لأنها ظرف زمان ماض ، ولن ينفعكم وفاعله واليوم المذكور ليس بماض . وقال ابن جني في مساءلته أبا علي : راجعته فيها مرارا فآخر ما حصل منه أن الدنيا والأخرى متصلتان ، وهما سواء في حكم الله تعالى وعلمه ، فتكون " إذ " بدلا من اليوم حتى كأنها مستقبلة ، أو كأن اليوم ماض . وقال غيره : الكلام محمول على المعنى ، والمعنى : أن ثبوت ظلمهم عندهم يكون يوم القيامة ؛ فكأنه قال ولن ينفعكم اليوم ؛ إذ صح ظلمكم عندكم ، فهو بدل أيضا .

وقال آخرون : التقدير : بعد إذ ظلمتم ؛ فحذف المضاف للعلم به .

وقيل : إذ بمعنى أن ؛ أي لأن ظلمتم . ويقرأ : " إنكم في العذاب " بكسر الهمزة على الاستئناف ، وهذا على أن الفاعل التمني .

ويجوز على هذا أن يكون الفاعل ظلمكم أو جحدكم ، وقد دل عليه ظلمتم ، ويكون الفاعل المحذوف من اللفظ هو العامل في إذ ، لا ضمير الفاعل .

التالي السابق


الخدمات العلمية