الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما قرر أمر الوحي بما ثبت به من الإعجاز، وأراهم الآيات في الآفاق، بأن له ما في الوجود، وأنه هو الذي فطره، وكان ربما كان للإنسان شيء ولم يكن كامل التصرف فيه بأن يكون مفاتيح خزائنه مع غيره من شريك أو غيره، وكان ربما اخترع الإنسان بناء وكان لغيره، أخبر إكمالا لتنزيه الآية السالفة وشرحا له أنه [ ص: 262 ] تعالى ليس كمثله شيء كغيره في هذا أيضا بل كما كان أن له ما في الخافقين وهو مخترعهما فله مفاتيح خزائنهما، فقال: له أي وحده مقاليد السماوات والأرض أي خزائنهما ومفاتيح خزائنهما من الأمطار والإنبات وغيرهما وقد ثبت أنه ابتدعهما، وأن له جميع ما فيهما مما اتخذ من دونه وليا وغيره، قال القشيري: والمفاتيح الخزائن وخزائنه مقدوراته - انتهى. ولما كان قد حصر الأمر فيه دل عليه بقوله: يبسط الرزق أي الذي فيهما ولا مانع منه إلا قدرته لمن يشاء أي أن يبسطه له ويقدر أي يضيق ويقبض على من يشاء كما وسع على فارس والروم وضيق على العرب وفاوت في الأفراد، بين أفراد من وسع عليهم ومن ضيق عليهم، فدل ذلك قطعا على أنه لا شريك له وأنه هو المتصرف وحده فقطع بذلك أفكار الموفقين من عباده من غيره ليقبلوا عليه ويتفرغوا له، فإن عبادته هي المقاليد بالحقيقة استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال

                                                                                                                                                                                                                                      ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار [ ص: 263 ] ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان كأنه قيل: لم فعل ذلك؟ علله بقوله مؤكدا لأن أعمال غالب الناس في المعاصي عمل من يظن أنه سبحانه يخفى عليه عمله: إنه بكل شيء عليم فلا فعل له إلا وهو جار على أتقن ما يكون من قوانين الحكمة، فلو أنه وسع العرب وقواهم ثم أباحهم ملك أهل فارس والروم لقبل بقوتهم ومكنتهم، وله في كل شيء دق أو جل من الحكم ما يعجز عن إدراك لطائفه أفاضل الأمم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية