الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نـزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور

                                                                                                                                                                                                                                      23 - ذلك ؛ أي: الفضل الكبير؛ الذي يبشر الله ؛ "يبشر"؛ "مكي وأبو عمرو وحمزة وعلي"؛ عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات ؛ أي: به عباده الذين آمنوا؛ فحذف الجار؛ كقوله: واختار موسى قومه ؛ ثم حذف الراجع إلى الموصول؛ كقوله: أهذا الذي بعث الله رسولا ؛ ولما قال المشركون: أيبتغي على تبليغ الرسالة أجرا؟ نزل: قل لا أسألكم عليه ؛ على التبليغ؛ أجرا إلا المودة في القربى ؛ يجوز أن يكون استثناء متصلا؛ أي: لا أسألكم عليه أجرا إلا هذا؛ وهو أن تودوا أهل قرابتي؛ ويجوز أن يكون منقطعا؛ أي: "لا أسألكم أجرا قط؛ ولكني أسألكم أن تودوا قرابتي الذين هم قرابتكم؛ ولا تؤذوهم"؛ ولم يقل: "إلا مودة القربى"؛ أو "المودة للقربى"؛ لأنهم جعلوا مكانا للمودة؛ ومقرا لها؛ كقولك: "لي في آل فلان مودة؛ ولي فيهم حب شديد"؛ تريد: "أحبهم؛ وهم مكان حبي؛ ومحله"؛ وليست "في"؛ بصلة لـ "المودة"؛ كاللام؛ إذا قلت: "إلا المودة للقربى"؛ إنما هي متعلقة بمحذوف؛ تعلق الظرف [ ص: 253 ] به؛ في قولك: "المال في الكيس"؛ وتقديره: "إلا المودة ثابتة في القربى؛ ومتمكنة فيها"؛ و"القربى": مصدر؛ كـ "الزلفى"؛ و"البشرى"؛ بمعنى: "القرابة"؛ والمراد: "في أهل القربى"؛ وروي أنه لما نزلت قيل: يا رسول الله؛ من قرابتك هؤلاء؛ الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: "علي؛ وفاطمة؛ وابناهما - رضي الله عنهم"؛ وقيل: معناه: "إلا أن تودوني؛ لقرابتي فيكم؛ ولا تؤذوني؛ ولا تهيجوا علي"؛ إذ لم يكن من بطون قريش إلا بين رسول الله؛ وبينهم قرابة؛ وقيل: "القربى": التقرب إلى الله (تعالى)؛ أي: إلا أن تحبوا الله ورسوله في تقربكم إليه بالطاعة؛ والعمل الصالح؛ ومن يقترف حسنة ؛ يكتسب طاعة؛ عن السدي أنها المودة في آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ نزلت في أبي بكر - رضي الله عنه -؛ ومودته فيهم؛ والظاهر العموم في أي حسنة كانت؛ إلا أنها تتناول المودة تناولا أوليا؛ لذكرها عقيب ذكر المودة في القربى؛ نـزد له فيها حسنا ؛ أي: نضاعفها؛ كقوله: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ؛ وقرئ: "حسنى"؛ وهو مصدر؛ كـ "البشرى"؛ والضمير يعود إلى الحسنة؛ أو إلى الجنة؛ إن الله غفور ؛ لمن أذنب؛ بطوله؛ شكور ؛ لمن أطاع؛ بفضله؛ وقيل: قابل للتوبة؛ حامل عليها؛ وقيل: "الشكور"؛ في صفة الله (تعالى)؛ عبارة عن الاعتداد بالطاعة؛ وتوفية ثوابها؛ والتفضل على المثاب .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية