الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يوم تبيض وجوه وتسود وجوه نصب بما في لهم من معنى الاستقرار أو منصوب باذكر مقدرا ، وقيل : العامل فيه عذاب ، وضعف بأن المصدر الموصوف لا يعمل وقيل : عظيم ، وأورد عليه أنه يلزم تقييد عظمته بهذا ولا معنى له ، ورد بأنه إذا عظم فيه ، وفيه كل عظيم ، ففي غيره أولى إلا أن يقال : إن التقييد ليس بمراد ، والمراد بالبياض معناه الحقيقي أو لازمه من السرور والفرح ، وكذا يقال في السواد ، والجمهور على الأول قالوا : يوسم أهل الحق ببياض الوجه وإشراق البشرة تشريفا لهم وإظهارا لآثار أعمالهم في ذلك الجمع ، ويوسم أهل الباطل بضد ذلك ، والظاهر أن الابيضاض والاسوداد يكون لجميع الجسد إلا أنهما أسندا للوجوه لأن الوجه أول ما يلقاك من الشخص وتراه وهو أشرف أعضائه .

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف في وقت ذلك فقيل : وقت البعث من القبور ، وقيل : وقت قراءة الصحف ، وقيل : وقت رجحان الحسنات والسيئات في الميزان ، وقيل : عند قوله تعالى شأنه : وامتازوا اليوم أيها المجرمون وقيل : وقت أن يؤمر كل فريق بأن يتبع معبوده ، ولا يبعد أن يقال : إن في كل موقف من هذه المواقف يحصل شيء من ذلك إلى أن يصل إلى حد الله تعالى أعلم به ، إذ البياض والسواد من المشكك دون المتواطئ ، كما لا يخفى ، وقرأ - تبيض وتسود - بكسر حرف المضارعة وهي لغة - وتبياض وتسواد .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما الذين اسودت وجوههم تفصيل لأحوال الفريقين وابتدأ بحال الذين اسودت وجوههم لمجاورته وتسود وجوه وليكون الابتداء والاختتام بما يسر الطبع ويشرح الصدر .

                                                                                                                                                                                                                                      أكفرتم بعد إيمانكم على إرادة القول المقرون بالفاء أي فيقال لهم ذلك ، وحذف القول واستتباع الفاء له في الحذف أكثر من أن يحصى ، وإنما الممنوع حذفها وحدها في جواب أما ، والاستفهام للتوبيخ والتعجيب من حالهم ، والكلام حكاية لما يقال لهم فلا التفات فيه خلافا للسمين ، والظاهر من السياق والسباق أن هؤلاء أهل الكتاب ، وكفرهم بعد إيمانهم [ ص: 26 ] كفرهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الإيمان به قبل مبعثه - وإليه ذهب عكرمة - واختاره الزجاج والجبائي .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل : هم جميع الكفار لإعراضهم عما وجب عليهم من الإقرار بالتوحيد حين أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى وروي ذلك عن أبي بن كعب ، ويحتمل أن يراد بالإيمان الإيمان بالقوة والفطرة ، وكفر جميع الكفار كان بعد هذا الإيمان لتمكنهم بالنظر الصحيح والدلائل الواضحة والآيات البينة من الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم ، وعن الحسن أنهم المنافقون أعطوا كلمة الإيمان بألسنتهم وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم ، فالإيمان على هذا مجازي ، وقيل : إنهم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة ، وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه ، وأبي أمامة ، وابن عباس ، وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                                                                      فذوقوا العذاب أي المعهود الموصوف بالعظم ، والأمر للإهانة لتقرر المأمور به وتحققه ، وقيل : يحتمل أن يكون أمر تسخير بأن يذوق العذاب كل شعرة من أعضائهم ، نعوذ بالله تعالى من غضبه ، والفاء للإيذان بأن الأمر بذوق العذاب مترتب على كفرهم المذكور كما يصرح به قوله سبحانه : بما كنتم تكفرون فالباء للسببية ، وقيل : للمقابلة من غير نظر إلى التسبب وليست بمعنى اللام ، ولعله سبحانه أراد ( بعد إيمانكم ) والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على استمرار كفرهم أو على مضيه في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية