الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب أسنان الإبل في دية الخطإ قال أبو بكر : اختلف السلف في ذلك ، فروى علقمة والأسود عن عبد الله بن مسعود في دية الخطإ أخماسا : " عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنات مخاض وعشرون بنو مخاض وعشرون بنات لبون " . وعن عمر بن الخطاب أخماسا أيضا .

وروى عاصم بن ضمرة وإبراهيم عن علي في دية الخطإ أرباعا خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات مخاض وخمس وعشرون بنات لبون أربعة [ ص: 206 ] أسنان مثل أسنان الزكاة " . وقال عثمان وزيد بن ثابت : " في الخطإ ثلاثون بنات لبون وثلاثون جذعة وعشرون بنو لبون وعشرون بنات مخاض " وروي عنهما مكان الجذاع الحقاق .

قال أبو بكر : واتفق فقهاء الأمصار أصحابنا ومالك والشافعي أن دية الخطإ أخماس ، إلا أنهم اختلفوا في الأسنان من كل صنف ، فقال أصحابنا جميعا : عشرون بنات مخاض وعشرون بنو مخاض وعشرون بنات لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة " وقال مالك والشافعي : " عشرون بنات مخاض وعشرون بنو لبون وعشرون بنات لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة " .

وحدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا أحمد بن داود بن توبة التمار قال : حدثنا عمرو بن محمد الناقد قال : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا حجاج بن أرطاة عن زيد بن جبير عن خشف بن مالك عن عبد الله بن مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الدية في الخطإ أخماسا . واتفاق الفقهاء على استعمال هذا الخبر في الأخماس يدل على صحته ؛ ولم يبين فيه كيفية الأسنان ، فروى منصور عن إبراهيم عن ابن مسعود في دية الخطإ أخماسا وذكر الأسنان مثل قول أصحابنا ، فهذا يدل على أن الأخماس التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم كانت على هذا الوجه ؛ لأنه غير جائز أن يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ثم يخالفه إلى غيره . فإن قيل : خشف بن مالك مجهول . قيل له استعمال الفقهاء لخبره في إثبات الأخماس يدل على صحته واستقامته .

وأيضا فإن قول من جعل في الخطإ مكان بني لبون بني مخاض أولى ؛ لأن بني لبون بمنزلة بنات مخاض ، لقوله صلى الله عليه وسلم : فإن لم توجد ابنة مخاض فابن لبون فيصير بمنزلة من أوجب أربعين بنات مخاض إذا أوجب عشرين بني لبون وعشرين بنات مخاض . وأيضا فإن بني لبون فوق بني مخاض ، ولا يجوز إثبات زيادة ما بين بني لبون وبنات مخاض إلا بتوقيف .

وأيضا فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم : الدية مائة من الإبل يقتضي جواز ما يقع عليه الاسم ، فلا تثبت الزيادة إلا بدلالة ، ومذهب أصحابنا أقل ما قيل فيه فهو ثابت . وما زاد فلم تقم عليه دلالة فلا يثبت . وأيضا قد ثبت مثل قول أصحابنا عن عبد الله بن مسعود في كيفية الأسنان ولم يرو عن أحد من الصحابة ممن قال بالأخماس خلافه ؛ وقول مالك والشافعي لا يروى عن أحد من الصحابة وإنما يروى عن سليمان بن يسار ، فكان قول أصحابنا أولى لاتفاق الجميع من فقهاء الأمصار على إثبات الأخماس وثبوت كيفيتها على الوجه الذي يذهب إليه أصحابنا عن عبد الله بن مسعود .

فإن قيل إيجاب [ ص: 207 ] بني لبون أولى من بني مخاض لأنها تؤخذ في الزكاة ولا تؤخذ بنو مخاض . قيل له : ابن اللبون يؤخذ في الزكاة على وجه البدل ، وكذلك ابن مخاض يؤخذ عندنا على وجه البدل ، فلا فرق بينهما . وأيضا فإن الديات غير معتبرة بالزكاة ، ألا ترى أنه يجب عند المخالف أربعون خلفة في شبه العمد ولا يجب مثلها في الزكاة ؟ والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية