الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الباب الثالث :

في آداب المعاشرة ، وما يجري في دوام النكاح .

والنظر فيما على الزوج ، وفيما على الزوجة .

أما الزوج فعليه مراعاة الاعتدال والأدب في اثني عشر أمرا ، في الوليمة ، والمعاشرة والدعابة والسياسة ، والغيرة ، والنفقة ، والتعليم ، والقسم والتأديب في النشوز والوقاع والولادة ، والمفارقة بالطلاق .

الأدب الأول : الوليمة وهي مستحبة قال أنس رضي الله عنه : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أثر صفرة فقال : ما هذا فقال ؟ : تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب فقال : بارك الله لك ، أولم ولو بشاة .

وأولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية بتمر وسويق .

وقال صلى الله عليه وسلم طعام أول يوم حق وطعام الثاني سنة وطعام الثالث سمعة ، ومن سمع سمع الله به .

ولم يرفعه إلا زياد بن عبد الله ، وهو غريب .

وتستحب تهنئته فيقول من دخل على الزوج : بارك الله لك ، وبارك عليك ، وجمع بينكما في خير .

وروى أبو هريرة رضي الله عنه ، أنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك ويستحب إظهار النكاح .

قال صلى الله عليه وسلم : فصل ما بين الحلال والحرام الدف ، والصوت .

قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف .

وعن الربيع بنت معوذ قالت : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل غداة بنى بي فجلس على فراشي ، وجويريات لنا يضربن بدفهن ويندبن من قتل من آبائي إلى أن قالت إحداهن : وفينا نبي يعلم ما في غد ، فقال لها : اسكتي عن هذه وقولي الذي كنت تقولين قبلها .

التالي السابق


(الباب الثالث: في آداب المعاشرة، وما يجري في دوام النكاح، والنظر فيما على الزوج، وفيما على الزوجة) * من الآداب والأخلاق .

(أما الزوج فعليه مراعاة الاعتدال في اثني عشر أمرا، في الوليمة، والمعاشرة) أي: المصاحبة، (والدعابة) ، بالضم اللعب والمزاح، (والسياسة، والغيرة، والنفقة، والتعليم، والقسم) بفتح فسكون (والتأديب بالنشوز) ، والإعراض، (والوقاع) ، أي: الجماع، (والولادة، والمفارقة بالطلاق) ، وسيأتي بيان كل ذلك

(الأدب الأول: الوليمة) ، طعام العرس، (وهي مستحبة) على الصحيح، والقول الثاني: واجبة، واختاره ابن خيران، والأول المشهور من مذهب مالك، وقد تقدم الكلام عليها، وعلى أحكامها، في كتاب آداب الأكل (قال أنس) بن مالك (رضي الله عنه: رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنه، وهو أحد العشرة (أثر صفرة) من خلوق، (فقال: ما هذا؟ قال: تزوجت امرأة) ، وهي ابنة أنس بن رافع الأنصارية، كما جزم به الزبير بن بكار (على وزن نواة من ذهب) ، أي: عدلها دراهم، أو هي الموزونة بها (فقال: بارك الله لك، أولم ولو بشاة) ، رواه البخاري في النكاح، حدثنا محمد بن كثير، عن سفيان، عن حميد، قال: سمعت أنس بن مالك قال: قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وعند الأنصاري امرأتان، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال: بارك الله في أهلك ومالك، دلوني على السوق، فأتى السوق فربح شيئا من أقط، وشيئا من سمن، فرآه النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد أيام وعليه وضر من صفرة، فقال: مهيم؟ فقال: تزوجت، قال: فما سقت؟ قال: وزن نواة من ذهب، قال: أولم ولو بشاة. وأخرجه -أيضا- في البيوع، ورواه مسلم كذلك، ورواه البخاري في باب: كيف يدعى للمتزوج، من حديث أنس، بلفظ المصنف، وروي -أيضا- في باب الصفرة للمتزوج، بلفظ: وبه أثر صفرة.

(وأولم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على صفية) بنت حيي بن أخطب (بسويق وتمر) رواه الأربعة، من حديث أنس، ولمسلم نحوه، وقد تقدم .

(وقال) -صلى الله عليه وسلم-: (طعام أول يوم) في الوليمة (حق) فتجب الإجابة له (وطعام) اليوم (الثاني سنة) فلا تجب له الإجابة مطلقا، وقيل: تجب إن لم يدع في الأول، أو دعي وامتنع لعذر، ودعي في الثانية، ورحجه من الشافعية: الأذرعي (وطعام) اليوم (الثالث سمعة، ومن سمع سمع الله به) فتكره الإجابة إليه تنزيها، وقيل: تحريما، قال النووي: إذا أولم ثلاثا فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة، وفي الثاني لا تجب قطعا، ولا يكون ندبها فيه كندبها في اليوم الأول، اهـ. وتعدد الأوقات كتعدد الأيام، وقال العمراني: إنما تكره إذا كان المدعو في الثالث هو المدعو في الأول، وكذا صوره الروياني، ووجهه: بأن إطلاق كونه رياء يشعر بأن ذلك صنع للمباهاة والفخر، وإذا كثر الناس فدعا كل يوم فرقة فلا مباهاة، وقد تقدم ذلك في كتاب آداب الأكل، والحديث خرجه الترمذي من حديث ابن مسعود، وضعفه، وقال: (لم يرفعه إلا زياد بن عبد الله، وهو غريب) لفظ الترمذي: وهو ضعيف، كثير المناكير، والغرائب، اهـ. وتبعه عليه عبد الحق في الأحكام، جازما به، وأعله ابن القطان بعلة أخرى، وهي: عطاء بن السائب، فإنه مختلط، وقال الحافظ: سماعه من عطاء بعد الاختلاط، وروى الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس: طعام يوم في العرس سنة، وطعام يومين فضل، وطعام ثلاثة أيام رياء، وسمعة، وسنده ضعيف .

(وتستحب التهنية فيقول من دخل على الزوج: بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير، وروى أبو هريرة رضي الله عنه، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك) رواه أبو داود والترمذي، وصححه ابن ماجه، وقد تقدم في كتاب الدعوات، فيستحب الدعاء للزوجين بالبركة بعد العقد، فيقال: بارك الله لك: كما عند البخاري من حديث أنس، وبارك عليك الله، وجمع بينكما في خير، كما في الترمذي، وقال: حسن صحيح، ويكره أن يقال بالرفاء والبنين; لأنه من ألفاظ الجاهلية .

(ويستحب إظهار النكاح) وإشهار أمره (قال -صلى الله عليه وسلم-: فصل ما بين الحرام والحلال الدف، والصوت) قال العراقي: رواه الترمذي وحسنه، والنسائي، وابن ماجه، من حديث محمد بن حاطب، اهـ. قلت: وكذلك رواه أحمد، والبغوي، [ ص: 351 ] والطبراني في الكبير، والحاكم، والبيهقي، وأبو نعيم في المعرفة، ولفظهم جميعا: ضرب الدف والصوت في النكاح، ومحمد بن حاطب صحابي جمحي، والدف: بالضم ويفتح، والمراد بالصوت: إعلانه باضطراب الأصوات فيه، وذكر الله تعالى، وبعض الناس يذهب به إلى السماع (وقال -صلى الله عليه وسلم-: أعلنوا هذا النكاح) أي: أظهروه إظهارا للسرور، وفرقا بينه وبين غيره من المآدب، وليس المراد الوطء هنا، بدليل تعقيبه بقوله: (واجعلوه في المساجد) مبالغة في إظهاره، وإشهاره، فإنها أعظم محافل أهل الخير، والفضل (واضربوا عليه بالدفوف) جمع دف، وهو" ما يضرب لحادث سرور، أو لعب، قال العراقي: رواه الترمذي، من حديث عائشة وحسنه، وضعفه البيهقي، اهـ. قلت: رواه الترمذي من طريق عيسى بن ميمون، عن القاسم، عن عائشة، وقال عيسى: هذا ضعيف. اهـ. فقول العراقي: وحسنه، فيه نظر، وجزم البيهقي بضعفه، وقال ابن الجوزي: ضعيف جدا، وقال الحافظ في الفتح: سنده ضعيف، وقال في تخريج الهداية: ضعيف، لكن توبع عند ابن ماجه، اهـ .

وقد روي عن عبد الله بن الزبير مرفوعا: أعلنوا النكاح، وهكذا رواه أحمد، وابن حبان، والطبراني، وأبو نعيم، والحاكم، والبيهقي، تفرد به عامر عن أبيه (وعن الربيع) بالتصغير مشددا (بنت معوذ) كمحدث، ابن عفراء الأنصارية الصحابية، رضي الله عنها، روى عنها أبو سلمة، وعمرو بن شعيب، وعدة، روى لها الجماعة (قالت: جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدخل علي غداة بني بي) أي: في صباح دخل بي زوجي في ليلته (فجلس على فراشي، وجويريات) : جمع جويرية، تصغير جارية، أي: بنات صغار لنا (يضربن بدفهن) بالضم، وفي نسخة: بدفوفهن (ويندبن من قتل) من أسلافنا من الجاهلية (إلى أن قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: اسكتي عن هذه) الكلمة، أي: لا تقولي هكذا، أرشدها-صلى الله عليه وسلم- تأدبا مع ربه -عز وجل-; إذ لا يشاركه في علمه بما في غد أحد (وقولي ما كنت تقولين قبلها) قال العراقي: رواه البخاري، وقال: يوم بدر، ووقع في بعض نسخ الإحياء: يوم بعاث، وهو وهم، اهـ. قلت: رواه البخاري في غزوة بدر، وفي النكاح، قال في كتاب النكاح: باب ضرب الدف في النكاح والوليمة، حدثنا مسدد، حدثنا بشر بن المفضل، حدثنا خالد بن ذكوان، قال: قالت الربيع بنت معوذ بن عفراء: جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فدخل حين بني علي فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات يضربن بالدف ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر، إذا قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: دعي هذه المقالة، وقولي بالذي كنت تقولين، اهـ .

وشرح هذا الحديث، قوله: حين بني علي، وفي رواية حماد بن سلمة عند ابن ماجه: صبيحة عرسي، وكانت تزوجت إياس بن البكير الليثي، وجلوسه -صلى الله عليه وسلم- على فراشها قريبا منها من خصائصه -صلى الله عليه وسلم- في جواز النظر للأجنبية، والخلوة معها، وقوله: يندبن، أي: يذكرن أوصاف أولئك المقتولين يوم بدر بالثناء عليهم، وتعديد محاسنهم، بالكرم، والشجاعة، ونحوهما، وكان الذي قتل يوم بدر: معوذا، وعوفا، ومعاذا، أحدهم أبوها، والآخران عماها، فأطلق الأبوة عليهم تغليبا، وفي هذا الحديث: جواز ضرب الدف في النكاح، وقد قال الشافعية بجواز اليراع والدف وإن كان فيه جلاجل في الإملاك، والختان، وغيرهما، وقيل: يحرم اليراع، وهو المزمار العراقي، ويحرم الغناء على الآلات، فيما هو شعار شاربي الخمر، كالطنبور، وسائر المعازف، أي: الملاهي من الأوتار والمزامير، فيحرم استعماله، واستماعه قصدا، فإن لم يقصد لم يحرم، ولا يحرم الطبل إلا الكوبة، ولا يحرم ضرب الكف بالكف، كما صرح به الإرشاد، وغيره، ولا الرقص، إلا أن يكون فيه تكسر وتثن، والله أعلم .




الخدمات العلمية