الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      [ ص: 290 ] كتاب الاعتكاف بغير صوم وسئل ابن القاسم : أيكون الاعتكاف بغير صوم في قول مالك ؟ فقال : لا يكون إلا بصوم ، وقال ذلك القاسم بن محمد ونافع ، لقول الله تبارك وتعالى : { ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } فقيل لابن القاسم : ما قول مالك في المعتكف إن أفطر متعمدا أينتقض اعتكافه ؟ فقال : نعم .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن أصابه مرض لا يستطيع معه الصوم فخرج ؟

                                                                                                                                                                                      قال : فإذا صح بنى على ما اعتكف . قال : وإن هو صح فلم يبن على ما كان اعتكف وفرط فليستأنف ولا يبن عليه .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن هو صح من مرضه ذلك بعدما مضى من النهار بعضه وقوي على الصيام وكان في أول النهار لا يقوى على الصيام ، أيدخل المسجد حين يقوى على الصيام أم يؤخر ذلك حتى تغيب الشمس ثم يدخل المسجد قبل مغيب الشمس ثم يبني ؟ فقال : لا يؤخر ذلك ، بل يدخل حين يقوى على ذلك . ومما يبين ذلك ، أن مالكا قال في الحائض إذا طهرت في أول النهار : أنها ترجع إلى المسجد في أي ساعة طهرت ولا تؤخر ذلك . ثم تبني على ما مضى من اعتكافها . قال مالك : ومثل ذلك المرأة يكون عليها صيام شهرين متتابعين في قتل نفس ، فتحيض ثم تطهر فتبني على ما مضى من صيامها ولا تؤخر ذلك ، فالمريض مثل الحائض إذا صح .

                                                                                                                                                                                      قال ابن القاسم : ومما يبين لك ذلك لو أن رجلا اعتكف بعض العشر الأواخر ثم مرض فصح قبل الفطر بيوم ، فإنه يخرج ولا يثبت يوم الفطر في معتكفه ; لأنه لا يكون اعتكافا إلا بصيام ، ويوم الفطر لا يصام فيه فإذا مضى يوم الفطر عاد إلى معتكفه ، قيل : وهو قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : من هذا الموضع قولي لك في يوم الفطر وقولي لك ومما يبين ذلك في قول مالك .

                                                                                                                                                                                      قال ابن نافع ، قال مالك في المعتكف في العشر الأواخر من رمضان يمرض ثم يصح قبل الفطر : إنه يرجع إلى معتكفه فيبني على ما مضى ، فإن [ ص: 291 ] غشيه العيد قبل أن يفرغ من أيام اعتكافه فإنه يفطر ذلك اليوم ويخرج إلى العيد مع الناس ولا يرجع إلى بيته ، ولكن يكون في المسجد ذلك اليوم ولا يعتد به فيما بقي عليه . وسئل ابن القاسم عن المعتكف إذا أكل ناسيا نهارا ؟ فقال : يقضي يوما مكانه ويصله باعتكافه ، قيل له : أتحفظ هذا عن مالك ؟ فقال : قد سمعته من مالك ولا أحفظ كيف سمعته من مالك .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية