الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم

                                                                                                                                                                                                "أن" في قوله أن اعبدوا الله إن جعلتها مفسرة لم يكن لها بد من مفسر ، [ ص: 316 ] والمفسر إما فعل القول وإما فعل الأمر ، وكلاهما لا وجه له . أما فعل القول فيحكى بعده الكلام من غير أن يتوسط بينهما حرف التفسير ، لا تقول : ما قلت لهم إلا أن اعبدوا الله ، ولكن : ما قلت لهم إلا اعبدوا الله ، وأما فعل الأمر فمسند إلى ضمير الله عز وجل . فلو فسرته بـ “ اعبدوا الله ربي وربكم" لم يستقم ; لأن الله تعالى لا يقول : اعبدوا الله ربي وربكم ، وإن جعلتها موصولة بالفعل لم تخل من أن تكون بدلا من ما أمرتني به ، أو من الهاء في به ، وكلاهما غير مستقيم لأن البدل هو الذي يقوم مقام المبدل منه ، ولا يقال : ما قلت لهم إلا أن اعبدوا الله ، بمعنى ما قلت لهم إلا عبادته ; لأن العبادة لا تقال ، [ ص: 317 ] وكذلك إذا جعلته بدلا من الهاء لأنك لو أقمت "أن اعبدوا الله" مقام الهاء ، فقلت : إلا ما أمرتني بأن اعبدوا الله ، لم يصح ، لبقاء الموصول بغير راجع إليه من صلته . فإن قلت : فكيف يصنع؟ قلت : يحمل فعل القول على معناه ; لأن معنى "ما قلت لهم إلا ما أمرتني به" . ما أمرتهم إلا بما أمرتني به حتى يستقيم تفسيره بـ “ أن اعبدوا الله ربي وربكم" ويجوز أن تكون "أن" موصولة عطف بيان للهاء لا . . . . . . . . . . . . . . . . . . [ ص: 318 ] . . . . . . . . . . . . . . . بدلا وكنت عليهم شهيدا : رقيبا كالشاهد على المشهود عليه ، أمنعهم من أن يقولوا ذلك ويتدينوا به فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم : تمنعهم من القول به بما نصبت لهم من الأدلة ، وأنزلت عليهم من البينات ، وأرسلت إليهم من الرسل إن تعذبهم فإنهم عبادك الذين عرفتهم عاصين جاحدين لآياتك مكذبين لأنبيائك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز : القوي القادر على الثواب والعقاب الحكيم : الذي لا يثيب ولا يعاقب إلا عن حكمة وصواب . فإن قلت : المغفرة لا تكون للكفار فكيف قال : "وإن تغفر لهم"؟ قلت : ما قال إنك تغفر لهم ، ولكنه بنى الكلام على : إن غفرت ، فقال : إن عذبتهم عدلت لأنهم أحقاء بالعذاب ، وإن غفرت لهم مع كفرهم لم تعدم في المغفرة وجه حكمة لأن المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول ، بل متى كان الجرم أعظم جرما كان العفو عنه أحسن .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية