الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 108 ] مختلف الحديث


779 . والمتن إن نافاه متن آخر وأمكن الجمع فلا تنافر      780 . كمتن "لا يورد" مع "لا عدوى"
فالنفي للطبع وفر عدوا      781 . أولا فإن نسخ بدا فاعمل به
أو لا فرجح واعملن بالأشبه

التالي السابق


هذا فن تكلم فيه الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه وأول من تكلم فيه الإمام الشافعي - رضي الله عنه - في كتابه اختلاف الحديث ، ذكر فيه جملة من ذلك يتنبه بها على طريق الجمع ، ولم يقصد استيفاء ذلك ، ولم يفرده بالتأليف ، إنما هو جزء من كتاب [ ص: 109 ] الأم . ثم صنف في ذلك أبو محمد بن قتيبة فأتى بأشياء حسنة ، وقصر باعه في أشياء قصر فيها . وصنف في ذلك محمد بن جرير الطبري ، وأبو جعفر الطحاوي كتابه مشكل الآثار ، وهو من أجل كتبه وكان الإمام أبو بكر بن خزيمة من أحسن الناس كلاما في ذلك ، حتى إنه قال : لا أعرف حديثين صحيحين متضادين ، فمن كان عنده فليأتني به لأؤلف بينهما .

وجملة الكلام في ذلك : إنا إذا وجدنا حديثين مختلفي الظاهر ، فلا يخلو إما أن يمكن الجمع بينهما بوجه ينفي الاختلاف بينهما ، أو لا ؟ فإن أمكن ذلك بوجه صحيح ، تعين الجمع ، ولا يصار إلى التعارض ، أو النسخ ، مع إمكان الجمع ، مثاله قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح لا يورد ممرض على مصح وقوله فر من المجذوم فرارك من الأسد مع قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح أيضا لا عدوى ولا طيرة ، فقد جعلها بعضهم متعارضة ، وأدخلها بعضهم في الناسخ والمنسوخ ، كأبي حفص بن شاهين والصواب الجمع بينهما ، ووجهه أن قوله لا عدوى نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية ، وبعض الحكماء ، من أن هذه الأمراض تعدي بطبعها ، ولهذا قال : "فمن أعدى الأول" ، أي : إن الله هو الخالق لذلك بسبب وغير سبب ، وإن قوله "لا يورد ممرض على مصح" ، "وفر من المجذوم" ، بيان لما يخلقه الله من الأسباب عند المخالطة للمريض ، وقد يتخلف ذلك عن سببه ، وهذا مذهب أهل السنة . كما أن النار لا تحرق بطبعها ، ولا الطعام يشبع بطبعه ، ولا الماء يروي بطبعه ، وإنما [ ص: 110 ] هي أسباب ، والقدر وراء ذلك . وقد وجدنا من خالط المصاب بالأمراض التي اشتهرت بالإعداء ، ولم يتأثر بذلك . ووجدنا من احترز عن ذلك ، الاحتراز الممكن ، وأخذ بذلك المرض .

(وعدوا) في آخر البيت ، مصدر قولك عدا يعدوا عدوا ، إذا أسرع في مشيه ، إشارة إلى قوله : "فر من المجذوم فرارك من الأسد" .

وإن لم يمكن الجمع بين الحديثين المختلفين ، فإن عرف المتأخر منهما فإنه يصار حينئذ إلى النسخ ، ويعمل بالمتأخر منهما . وإن لم يدل دليل على النسخ ، فقد تعارضا حينئذ فيصار إلى الترجيح ، ويعمل بالأرجح منهما ، كالترجيح بكثرة الرواة ، أو بصفاتهم في خمسين وجها من وجوه الترجيحات وأكثر . كذا ذكر ابن الصلاح : أن وجوه الترجيحات خمسون ، وأكثر . وتبع في ذلك الحازمي ، فإنه كذلك قال في كتاب الاعتبار له في الناسخ والمنسوخ . وقد رأينا أن نسردها مختصرة :الأول : كثرة الرواة .

الثاني : كون أحد الراويين أتقن وأحفظ .

الثالث : كونه متفقا على عدالته .

الرابع : كونه بالغا حالة التحمل .

الخامس : كون سماعه تحديثا ، والآخر عرضا .

السادس : كون أحدهما سماعا ، أو عرضا ، والآخر كتابة ، أو وجادة ، أو مناولة .

السابع : كونه مباشرا لما رواه .

الثامن : كونه صاحب القصة .

التاسع : كونه أحسن سياقا ، واستقصاء لحديثه [ ص: 111 ] .

العاشر : كونه أقرب مكانا .

الحادي عشر : كونه أكثر ملازمة لشيخه .

الثاني عشر : كونه سمعه من مشايخ بلده .

الثالث عشر : كون أحد الحديثين له مخارج .

الرابع عشر : كون إسناده حجازيا .

الخامس عشر : كون رواته من بلد لا يرضون التدليس .

السادس عشر : دلالة ألفاظه على الاتصال ، كـ : سمعت ، و: حدثنا .

السابع عشر : كونه مشافها مشاهدا لشيخه عند الأخذ .

الثامن عشر : عدم الاختلاف في الحديث .

التاسع عشر : كون راويه لم يضطرب لفظه ، وهو قريب من الذي قبله .

العشرون : كون الحديث متفقا على رفعه .

الحادي والعشرون : كونه متفقا على اتصاله .

الثاني والعشرون : كون راويه لا يجيز الرواية بالمعنى .

الثالث والعشرون : كونه فقيها .

الرابع والعشرون : كونه صاحب كتاب يرجع إليه .

الخامس والعشرون : كون أحد الحديثين نصا وقولا [والآخر نسب إليه استدلالا واجتهادا] .

السادس والعشرون : كون القول يقارنه الفعل .

السابع والعشرون : كونه موافقا لظاهر القرآن .

الثامن والعشرون : كونه موافقا لسنة أخرى .

التاسع والعشرون : كونه موافقا للقياس .

الثلاثون : كونه معه حديث آخر مرسل ، أو منقطع .

الحادي والثلاثون : كونه عمل به الخلفاء الراشدون .

الثاني والثلاثون : كونه مع عمل الأمة [ ص: 112 ] .

الثالث والثلاثون : كون ما تضمنه من الحكم منطوقا .

الرابع والثلاثون : كونه مستقلا لا يحتاج إلى إضمار .

الخامس والثلاثون : كون حكمه مقرونا بصفة ، والآخر بالاسم .

السادس والثلاثون : كونه مقرونا بتفسير الراوي .

السابع والثلاثون : كون أحدهما قولا ، والآخر فعلا ، فيرجح القول .

الثامن والثلاثون : كونه لم يدخله التخصيص .

التاسع والثلاثون : كونه غير مشعر بنوع قدح في الصحابة .

الأربعون : كونه مطلقا ، والآخر ورد على سبب .

الحادي والأربعون : دلالة الاشتقاق على أحد الحكمين .

الثاني والأربعون : كون أحد الخصمين قائلا بالخبرين .

الثالث والأربعون : كون أحد الحديثين فيه زيادة .

الرابع والأربعون : كونه فيه احتياط للفرض وبراءة الذمة .

الخامس والأربعون : كون أحد الحديثين له نظير متفق على حكمه .

السادس والأربعون : كونه يدل على الحظر ، والآخر على الإباحة .

السابع والأربعون : كونه يثبت حكما موافقا لحكم ما قبل الشرع ، فقيل : هو أولى ، وقيل : هما سواء .

الثامن والأربعون : كون أحد الخبرين مسقطا للحد ، فقيل : هو أولى ، وقيل : لا ترجيح .

التاسع والأربعون : كونه إثباتا يتضمن النقل عن حكم العقل والآخر نفيا يتضمن الإقرار على حكم العقل .

الخمسون : أن يكون أحدهما في الأقضية ، وراويه علي : أو في الفرائض ، وراويه زيد بن ثابت ، أو في الحلال والحرام وراويه معاذ بن جبل ، وهلم جرا [ ص: 113 ] .

فالصحيح الذي عليه الأكثرون ، كما قال الحازمي : الترجيح به . وقد اقتصر الحازمي على ذكر هذه الخمسين وجها ، قال : وثم وجوه كثيرة أضربنا عن ذكرها ، كي لا يطول به هذا المختصر . قلت : وقد خالفه بعض الأصوليين في بعض ما ذكره من وجوه الترجيحات ، فرجح مقابله ، أو نفى الترجيح . وقد زاد الأصوليون كالإمام فخر الدين الرازي ، والسيف الآمدي ، وأتباعهما ; وجوها أخرى للترجيح ، إذا انضمت إلى هذه ، زادت على المائة . وقد جمعتها فيما جمعته على كلام ابن الصلاح ، فلتراجع من هناك ، وقد اقتصرت هنا على ما أودعه المحدثون كتبهم ، والله أعلم .




الخدمات العلمية