الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مسألة اختلفوا في أن ما لا يتم الواجب إلا به هل يوصف بالوجوب

              اختلفوا في أن ما لا يتم الواجب إلا به هل يوصف بالوجوب ؟

              والتحقيق في هذا أن هذا ينقسم إلى ما ليس إلى المكلف كالقدرة على الفعل وكاليد في الكتابة وكالرجل في المشي ، فهذا لا يوصف بالوجوب بل عدمه يمنع الإيجاب إلا على مذهب من يجوز تكليف ما لا يطاق ، وكذلك تكليف حضور الإمام الجمعة وحضور تمام العدد فإنه ليس إليه فلا يوصف بالوجوب بل يسقط بتعذره الواجب . وأما ما يتعلق باختيار العبد فينقسم إلى الشرط الشرعي وإلى الحسي ، فالشرعي كالطهارة في الصلاة يجب وصفها بالوجوب عند وجوب الصلاة ، فإن إيجاب الصلاة إيجاب لما يصير به الفعل صلاة .

              وأما الحسي فكالسعي إلى الجمعة وكالمشي إلى الحج وإلى مواضع المناسك ، فينبغي أن يوصف أيضا بالوجوب إذ أمر البعيد عن البيت بالحج أمر بالمشي إليه لا محالة ، وكذلك إذا وجب غسل الوجه ولم يمكن إلا بغسل جزء من الرأس ، وإذا وجب الصوم ولم يمكن إلا بالإمساك جزءا من الليل قبل الصبح فيوصف ذلك بالوجوب . ونقول : ما لا يتوصل إلى الواجب إلا به وهو فعل المكلف فهو واجب .

              وهذا أولى من أن نقول يجب التوصل إلى الواجب بما ليس بواجب ، إذ قولنا : " يجب فعل ما ليس بواجب " متناقض ، وقولنا : " ما ليس بواجب صار واجبا " غير متناقض فإنه واجب ; لكن الأصل وجب بالإيجاب قصدا إليه ، والوسيلة وجبت بواسطة وجوب المقصود وقد وجب كيفما كان وإن كان علة وجوبه غير علة وجوب المقصود فإن قيل : لو كان واجبا [ ص: 58 ] لكان مقدرا ، فما المقدار الذي يجب غسله من الرأس وإمساكه من الليل ؟ قلنا : قد وجب التوصل به إلى الواجب وهو غير مقدر ، بل يجب مسح الرأس ويكفي أقل ما ينطلق عليه الاسم وهو غير مقدر ، فكذلك الواجب أقل ما يمكن به غسل الوجه .

              وهذا التقدير كاف في الوجوب . فإن قيل لو كان واجبا لكان يثاب على فعله ويعاقب على تركه ، وتارك الوضوء لا يعاقب على ما تركه من غسل الرأس بل من غسل الوجه ، وتارك الصوم لا يعاقب على ترك الإمساك ليلا . قلنا : ومن أنبأكم بذلك ؟ ومن أين عرفتم أن ثواب البعيد عن البيت لا يزيد على ثواب القريب في الحج ، وأن من زاد عمله لا يزيد ثوابه وإن كان بطريق التوصل ؟ وأما العقاب فهو عقاب على ترك الصوم والوضوء وليس يتوزع على أجزاء الفعل ، فلا معنى لإضافته إلى التفاصيل .

              فإن قيل : لو قدر على الاقتصار على غسل الوجه لم يعاقب ، قلنا : هذا مسلم ; لأنه إنما يجب على العاجز أما القادر فلا وجوب عليه .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية