الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قلت: قال الأرموي: "لقائل أن يقول: ضعف الأصل والجواب لا يخفى".

قلت: قد بين في غير هذا الموضع فساد مثل هذه الحجة من وجوه، وهي مبنية على أن القديم: هل هو قديم بقدم، أم لا؟ فمذهب ابن كلاب والأشعري - في أحد قوليه - وطائفة من الصفاتية: أنه قديم بقدم، ومذهب الأشعري - في القول الآخر - والقاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى وأبي علي بن أبي موسى وأبي المعالي الجويني وغيرهم: ليس كذلك، وهم متنازعون في البقاء، فقول الأشعري وطائفة معه: أنه باق ببقاء، وهو قول الشريف وأبي علي بن أبي موسى وطائفة، وقول القاضي أبي بكر وطائفة كالقاضي أبي يعلى نفي ذلك.

وحقيقة الأمر: أن النزاع في هذه المسألة اعتباري لفظي، كما قد بسط في غير هذا الموضع، وهو متعلق بمسائل الصفات: هل هي زائدة على الذات، أم لا؟ وحقيقة الأمر: أن الذات إن أريد بها الذات الموجودة بالخارج فتلك مستلزمة لصفاتها، يمتنع وجودها بدون تلك الصفات، وإذا قدر عدم اللازم لزم عدم الملزوم، فلا يمكن فرض [ ص: 21 ] الذات الموجودة في الخارج منفكة عن لوازمها، حتى يقال: هي زائدة أو ليست زائدة، لكن يقدر ذلك تقديرا في الذهن، وهو القسم الثاني، فإذا أريد بالذات ما يقدر في النفس مجردا عن الصفات، فلا ريب أن الصفات زائدة على هذه الذات المقدرة في النفس، ومن قال من متكلمة أهل السنة: "إن الصفات زائدة على الذات" فتحقيق قوله أنها زائدة على ما أثبته المنازعون من الذات، فإنهم أثبتوا ذاتا مجردة عن الصفات، ونحن نثبت صفاتها زائدة على أثبتوه هم، لا أنا نجعل في الخارج ذاتا قائمة بنفسها، ونجعل الصفات زائدة عليها، فإن الحي الذي يمتنع أن لا يكون إلا حيا، كيف تكون له ذات مجردة عن الحياة؟ وكذلك ما لا يكون إلا عليما قديرا، كيف تكون ذاته مجردة عن العلم والقدرة؟.

والذين فرقوا بين الصفات النفسية والمعنوية قالوا: القيام بالنفس والقدم - ونحو ذلك من الصفات النفسية - بخلاف العلم والقدرة، فإنهم نظروا إلى ما لا يمكن تقدير الذات في الذهن بدون تقديره، فجعلوه من النفسية، وما يمكن تقديرها بدونه، فجعلوه معنويا، ولا ريب أنه لا يعقل موجود قائم بنفسه ليس قائما بنفسه، بخلاف ما يقدر أنه عالم، فإنه يمكن تقدير ذاته بدون العلم.

وهذا التقدير عاد إلى ما قدروه في أنفسهم، وإلا ففي نفس الأمر جميع صفات الرب اللازمة له هي صفات نفسية ذاتية، فهو عالم بنفسه وذاته، وهو عالم بالعلم، وهو قادر بنفسه وذاته، وهو قادر بالقدرة، [ ص: 22 ] فله علم لازم لنفسه، وقدرة لازمة لنفسه، وليس ذلك خارجا عن مسمى اسم نفسه.

التالي السابق


الخدمات العلمية