الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فأما المسلك الأول الذي ذكره الرازي فقال الآمدي: "المسلك السادس لبعض المتأخرين من أصحابنا في الدلالة على إثبات حدوث الأجسام، وهو أنه لو كانت الأجسام أزلية، لكانت في الأزل: إما أن [ ص: 32 ] تكون متحركة أو ساكنة" وساق المسلك إلى آخره. ثم قال: "وفيه وفي تقريره نظر، وذلك أن القائل يقول: إما أن تكون الحركة عبارة عن الحصول في الحيز بعد الحصول في حيز آخر، والسكون عبارة عن الحصول في الحيز بعد أن كان في ذلك الحيز، أو لا تكون كذلك. فإن كان الأول فقد بطل الحصر بالجسم في أول زمان حدوثه، فإنه ليس متحركا لعدم حصوله في الحيز بعد أن كان في حيز آخر، وليس ساكنا لعدم حصوله في الحيز بعد أن كان فيه، وإن كان الثاني فقد بطل ما ذكره في تقرير كون السكون أمرا وجوديا، ولا محيص عنه.

فإن قيل: الكلام إنما هو في الجسم في الزمن الثاني، والجسم في الزمن الثاني ليس يخلو عن الحركة والسكون بالتفسير المذكور، فهو ظاهر الإحالة، فإنه إذا كان الكلام في الجسم إنما هو في الزمن [ ص: 33 ] الثاني من وجود الجسم، فالزمن الثاني ليس هو حالة الأزلية، وعند ذلك لا يلزم أن يكون الجسم أزلا لا يخلو عن الحركة والسكون".

قال: "وإن سلمنا الحصر فلم قلتم بامتناع كون الحركة أزلية؟ وما ذكروه من الوجه الأول في الدلالة فإنما يلزم أن لو قيل بأن الحركة الواحدة بالشخص أزلية، وليس كذلك، بل المعنى بكون الحركة أزلية أن أعداد أشخاصها المتعاقبة لا أول لها، وعند ذلك فلا منافاة بين كون كل واحدة من آحاد الحركات المشخصة حادثة ومسبوقة بالغير، وبين كون جملة آحادها أزلية بمعنى أنها متعاقبة إلى غير النهاية".

قال: "وما ذكروه في الوجه الثاني باطل أيضا، فإن كل واحدة من الحركات الدورية وإن كانت مسبوقة بعدم لا بداية له، فمعنى اجتماع الأعدام السابقة على كل واحدة من الحركات في الأزل: أنه لا أول لتلك الأعدام ولا بداية، ومع ذلك فالعدم السابق على كل [ ص: 34 ] حركة وإن كان لا بداية له، فيقارنه وجود حركات قبل الحركة المفروضة لا نهاية لها على جهة التعاقب" أي: يعاقبه وجود حركات لا نهاية لها قبل الحركة المفروضة "وليس فيه مقارنة السابق للمسبوق، وعلى هذا فيكون الكلام في العدم السابق على حركة حركة، وعلى هذا فحصول شيء من الموجودات الأزلية مع هذه الأعدام أزلا على هذا النوع لا يكون ممتنعا، إذ ليس في مقارنة للمسبوق على ما عرف".

قال: "وفيه دقة فليتأمل".

التالي السابق


الخدمات العلمية