الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 103 ] ( الفرق السابع والسبعون بين قاعدة الخلاف يتقرر في مسائل الاجتهاد قبل حكم الحاكم وبين قاعدة مسائل الاجتهاد يبطل الخلاف فيها ويتعين قول واحد بعد حكم الحاكم ) وذلك القول هو ما حكم به الحاكم على الأوضاع الشرعية اعلم أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم وتتغير فتياه بعد الحكم عما كانت عليه على القول الصحيح من مذاهب العلماء فمن لا يرى وقف المشاع إذا حكم حاكم بصحة وقفه ثم رفعت الواقعة لمن كان يفتي ببطلانه نفذه وأمضاه ولا يحل له بعد ذلك أن يفتي ببطلانه وكذلك إذا قال إن تزوجتك فأنت طالق فتزوجها وحكم حاكم بصحة هذا النكاح فالذي كان يرى لزوم الطلاق له ينفذ هذا النكاح ولا يحل له بعد ذلك أن يفتي بالطلاق هذا هو مذهب الجمهور وهو مذهب مالك ولذلك وقع له في كتاب الزكاة وغيره أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد لا يرد ولا ينقض وأفتى مالك في الساعي إذا أخذ من الأربعين شاة لرجلين خليطين في الغنم شاة أنهما يقتسمانها بينهما ولا يختص بها من أخذت منه كما قاله الشافعي مع أنه يفتي إذا أخذها الساعي المالكي أنها [ ص: 104 ] تكون مظلمة ممن أخذت منه وعلل مالك ذلك بأنه حكم حاكم فأبطل ما كان يفتي به عند حكم الحاكم بخلاف ما يعتقده مالك ووقع له ذلك في عدة مسائل في العقود والفسوخ وصلاة الجمعة إذا حكم الإمام فيها أنها لا تصلى إلا بإذن من الإمام وغير ذلك ووقع للشافعية في كتبهم عن بعض أصحابهم أن الحكم إذا رفع لمن لا يعتقده لا ينفذ ولا ينقضه ويتركه على حاله والجمهور على التنفيذ لوجهين وهما الفرق المقصود في هذا الموضع أحدهما أنه لولا ذلك لما استقرت للحكام قاعدة ولبقيت الخصومات على حالها بعد الحكم وذلك يوجب دوام التشاجر والتنازع وانتشار الفساد ودوام العناد وهو مناف للحكمة التي لأجلها نصب الحكام وثانيهما وهو أجلهما أن الله تعالى جعل للحاكم أن ينشئ الحكم في مواضع الاجتهاد بحسب ما يقتضيه الدليل عنده أو عند إمامه الذي قلده فهو منشئ لحكم الإلزام فيما يلزم والإباحة فيما يباح كالقضاء بأن الموات الذي ذهب إحياؤه صار مباحا مطلقا كما كان قبل الإحياء والإنشاء والفرق بينه وبين المفتي بأن المفتي مخبر كالمترجم مع الحاكم والحاكم مع الله تعالى كنائب الحاكم معه يحكم بغير ما تقدم الحكم فيه من جهة مستنيبه بل ينشئ بحسب ما يقتضيه رأيه والمترجم لا يتعدى صورة ما وقع فينقله .

وقد بسطت هذا المعنى بشروطه وما يتعلق به في كتاب الإحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام وتصرف القاضي [ ص: 105 ] والإمام وهو كتاب جليل في هذا المعنى وإذا كان معنى حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد إنشاء الحكم فهو مخبر عن الله تعالى بذلك الحكم والله تعالى قد جعل له أن ما حكم به فهو حكمه وهو كالنص الوارد من قبل الله تعالى في خصوص تلك الواقعة فيصير الحال إلى تعارض الخاص والعام فيقدم الخاص على العام على القاعدة في أصول الفقه وتقريبه بالمثال أن مالكا رحمه الله تعالى دل الدليل عنده على أن تعليق الطلاق قبل الملك يلزم وهذا الدليل يشمل صورا لا نهاية لها فإذا رفعت صورة من تلك الصور إلى حاكم شافعي وحكم بصحة النكاح واستمرار العصمة وإبطال الطلاق المعلق كان حكم الشافعي نصا من الله تعالى ورد في خصوص تلك الصورة .

ولو أن الله تعالى قال التعليق قبل [ ص: 106 ] الملك لازم وقال التعليق قبل الملك في حق هذه المرأة غير لازم والعصمة فيها تستمر لقلنا هذان نصان خاص وعام فنقدم الخاص على العام كما لو قال اقتلوا المشركين لا تقتلوا الرهبان فإنا نقتل المشركين ونترك الرهبان كذلك يقول مالك أعمل هذا الحكم في هذه الصورة فتبقى بقية الصور عندي لا يصح فيها التعليق قبل النكاح جمعا بين نصي الخاص والعام ومن فهم الفرق بين المفتي والحاكم وإن حكم الحاكم نص من الله تعالى خاص في تلك الصورة المعينة لم يسعه إلا ما قال مالك والجمهور ولكن لما كان الفرق بينهما خفيا جدا حتى إني لم أجد أحدا يحققه خالف في ذلك من خالف ولم يوجب تنفيذ أقضية الحكام في مواقع الخلاف فهذا هو الفرق بين قاعدة الخلاف قبل الحكم وبين قاعدته بعد الحكم ومن أراد استيعابه فليقف على كتاب الإحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام فليس في ذلك الكتاب إلا هذا الفرق لكنه مبسوط في أربعين مسألة منوعة حتى صار المعنى في غاية الضبط والجلاء

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

[ ص: 102 - 103 ] قال ( الفرق السابع والسبعون بين قاعدة الخلاف يتقرر في مسائل الاجتهاد قبل حكم الحاكم وبين قاعدة مسائل الاجتهاد يبطل الخلاف فيها ويتعين قول واحد بعد حكم الحاكم وذلك القول هو ما حكم به الحاكم على الأوضاع الشرعية ) قلت ما قاله يوهم أن الخلاف يبطل مطلقا في المسألة التي تعلق بها حكم الحاكم وليس الأمر كذلك بل الخلاف يبقى على حاله إلا أنه إذا استفتى المخالف في عين تلك المسألة التي وقع حكم فيها لا تسوغ الفتوى فيها بعينها لأنه قد نفذ فيها الحكم بقولة قائل ومضى العمل بها فإذا استفتى في مثلها قبل أن يقع الحكم فيها أفتى بمذهبه على أصله فكيف يقول يبطل الخلاف ولو بطل الخلاف لما ساغ ذلك نعم يبطل الخلاف بالنظر إلى المسألة المعينة خاصة .

قال ( اعلم أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف إلى قوله ولذلك وقع له في كتاب الزكاة وغيره أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد لا يرد ولا ينقض ) قلت ما قاله من أنه إذا حكم حاكم بصحة وقف المشاع ثم رفعت الواقعة لمن كان يفتي ببطلانه نفذه وأمضاه لقائل أن يقول لا ينفذه ولا يمضيه ولكنه لا يرده ولا ينقضه وفرق بين كونه ينفذه ويمضيه وكونه لا يرده ولا ينقضه .

قال ( وأفتى مالك في الساعي إذا أخذ من أربعين شاة لرجلين خليطين في الغنم شاة أنهما يقتسمانها بينهما ولا يختص بها من أخذت منه كما قاله الشافعي رضي الله تعالى عنه مع أنه يفتي إذا أخذها للساعي المالكي أنها [ ص: 104 ] تكون مظلمة ممن أخذت منه وعلل مالك ذلك بأنه حكم حاكم إلى قوله وهو مناف للحكمة التي لأجلها نصب الحكام ) قلت ما قاله من أن الجمهور على التنفيذ إن أراد به إبقاء الحكم على حاله وإقراره من غير تعرض له برد ولا نقض فذلك صحيح وإن أراد أن الحاكم الثاني الذي يخالف رأيه ذلك الحكم ينشئ تنفيذه الآن على خلاف رأيه موافقة لرأي من قد حكم به قبله ونفذه فليس ذلك عندي بصحيح وكيف يصح ذلك وفيه تحصيل الحاصل والحكم بما يخالف رأي الحاكم أما إذا كان المراد بتنفيذه إقراره وعدم نقضه والزجر عن الخصومة فيه لأنه حكم قد نفذه حاكم فذلك صحيح أو يحمل ذلك على قول من قال من الشافعية إنه إذا رفع لمن لا يعتقده لا ينفذه ولا ينقضه على أن يكون مرادهم بذلك أن لا يقره على حكم ذلك الحاكم ويزجر عن الخصومة فيه ولا ينقضه أيضا ابتداء بل يمكن من الخصومة فيه والله أعلم .

قال ( وثانيهما وهو أجلهما أن الله سبحانه جعل للحاكم أن ينشئ الحكم في مواضع الاجتهاد بحسب ما يقتضيه الدليل عنده أو عند إمامه الذي قلده إلى قوله [ ص: 105 ] وهو كتاب جليل في هذا المعنى ) قلت ما قاله من أن الحاكم منشئ للحكم وأن المفتي مخبر بالحكم كالمترجم صحيح وما قاله من أن الحاكم مع الله تعالى كنائب الحاكم معه يحكم بغير ما تقدم الحكم فيه من جهة مستنيبه بل ينشئ بحسب ما يقتضيه رأيه كلام يوهم بحسب التشبيه أن الحاكم يحكم بغير ما هو حكم الله تعالى وليس ذلك بصحيح ولا هو مراده بل لفظه لم يساعده على المراد على الوجه المختار ومراده على الجملة أن المفتي ناقل ومخبر ومعرف بالحكم والحاكم ليس كذلك بل هو ملزم للحكم ومنفذ له وذلك بين والله تعالى أعلم .

قال ( وإذا كان معنى حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد إنشاء الحكم فهو مخبر عن الله تعالى بذلك الحكم ) قلت ما قاله هنا من أن الحاكم مخبر عن الله بذلك الحكم ليس بصحيح فإن الحاكم ليس بمخبر بالحكم بل هو ملزم للحكم وقوله هذا نقيض لقوله آنفا إن الحاكم منشئ لحكم الإلزام فيما يلزم وأن المفتي مخبر فسبحان الله العظيم ما أسرع ما نسي .

قال ( والله تعالى قد جعل له أن ما حكم به فهو حكمه ) قلت أما على قول من يقول بتصويب المجتهدين فقوله ذلك صحيح وأما على قول من لا يصوب فليس ذلك بصحيح بل ربما صادف حكم الله تعالى فيكون حكمه حكم الله تعالى وربما لم يصادف حكمه حكم الله تعالى فلا يكون حكمه حكمه لكنه معذور ومأجور والله أعلم .

قال ( وهو كالنص الوارد من قبل الله تعالى في خصوص تلك الواقعة فيصير الحال إلى تعارض الخاص والعام فيقدم الخاص على العام على القاعدة في أصول الفقه ) قلت إن أراد أنه من باب الخاص والعام المتعارضين على التحقيق فليس كذلك وإن أراد أنه يشبه العام والخاص المتعارضين بوجه ما فذلك صحيح .

قال ( وتقريبه بالمثال أن مالكا رحمه الله تعالى دل الدليل عنده على أن تعليق الطلاق قبل الملك يلزم إلى قوله [ ص: 106 ] جمعا بين نصي الخاص والعام ) قلت هو مثال صحيح غير أنه إن أراد أنه من الخاص والعام حقيقة فليس الأمر كذلك وإن أراد أنه يشبهه بوجه ما فذلك صحيح .

قال ( ومن فهم الفرق بين المفتي والحاكم وإن حكم الحاكم نص من الله تعالى خاص في تلك الصورة المعينة لم يسعه إلا ما قال مالك والجمهور ولكن لما كان الفرق بينهما خفيا جدا حتى أني لم أجد أحدا يحققه خالف في ذلك من خالف ولم يوجب تنفيذ أقضية الحكام في مواقع الخلاف إلى آخر كلامه في الفرق ) قلت قد سبق أنه إن أراد أنه خاص وعام تعارضا حقيقة فليس كذلك وإن أراد أنه يشبه العام والخاص من وجه ما فهو كذلك قلت وما قاله من أن الفرق بين المفتي والحاكم خفي جدا ليس كما قال وكذلك ما قاله من أن حكم الحاكم نص من الله تعالى في القضية المعينة فليس كما قال بل منع الله تعالى من نقض أحكام المجتهدين لما في ذلك من المفسدة والله تعالى أعلم ، وما قاله في الفرق الثامن والسبعين صحيح وكذلك ما قال في الفرق التاسع والسبعين إلا ما ذكره في آخره مما أحال فيه على الفرق بين تحريم المشترك وثبوت الحكم في المشترك فإنه قد تقدم ما فيه وكذلك ما بعده من الفروق إلى الفرق الثالث والثمانين إلا ما قال في الفرق الثاني والثمانين من نسبة قول النبي صلى الله عليه وسلم أصليت بأصحابك وأنت جنب لحسان فإنه إنما كان لعمار



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق السابع والسبعون بين قاعدة الخلاف يتقرر في مسائل الاجتهاد قبل حكم الحاكم وبين قاعدة مسائل الاجتهاد يبطل الخلاف فيها ويتعين قول واحد بعد حكم الحاكم وهو ما حكم به الحاكم على الأوضاع الشرعية ) بمعنى أن المفتي المخالف إذا استفتى في عين تلك المسألة التي وقع الحكم فيها لا تسوغ له الفتوى فيها بعينها لأنه قد نفذ فيها الحكم بقوله قائل ومضى العمل بها أما إذا استفتى في مثل تلك المسألة قبل أن يقع الحكم فيها فإنه يفتي بمذهبه على أصله فالخلاف إنما يبطل بالنظر إلى المسألة المعينة خاصة مثلا وقف المشاع إذا حكم حاكم بصحته ثم رفعت الواقعة عينها لمن لا يرى صحته وكان يفتي ببطلانه فهو لا يرده ولا ينقضه ونكاح من قال لها إن تزوجتك فأنت طالق إذا حكم حاكم بصحته ثم رفعت مسألته عينها لمن كان يرى لزوم الطلاق له كان عليه أن لا يرد هذا النكاح ولا ينقضه هذا هو مذهب الجمهور وهو مذهب مالك رحمه الله تعالى ولذلك وقع له في كتاب الزكاة وغيره أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد لا يرد ولا ينقض وأفتى مالك في الساعي الشافعي إذا أخذ من الأربعين شاة لرجلين خليطين في الغنم شاة بأنهما يقتسمانها بينهما ولا يختص بها من أخذت منه كما قاله الشافعي وأبطل ما كان يفتي به ويعتقده من أن الشاة تكون مظلمة ممن أخذت منه معللا بأنه قد حكم الحاكم بخلافه فلا يتعرض لحكمه برد ولا نقض ووقع له ذلك في عدة مسائل في العقود والفسوخ وإن صلاة الجماعة إذا حكم الإمام فيها لا تصلى إلا بإذن من الإمام وغير ذلك بل قال في جمع الجوامع لا ينقض الحكم في الاجتهاديات وفاقا قال المحلي لا من الحاكم به ولا من غيره بأن اختلف الاجتهاد ا هـ .

لكن قال الأصل ووقع للشافعية في كتبهم عن بعض أصحابهم أن الحكم إذا رفع لمن لا يعتقده لا ينفذه أي لا يقره على حكم ذلك الحاكم بل يمكن من الخصومة فيه على خلاف ما عليه الجمهور ومالك من أنه يقره على حكم ذلك الحاكم .

ولا [ ص: 115 ] ينقضه بل يزجر عن الخصومة فيه نظرا لوجهين هما سر الفرق بين القاعدتين المذكورتين أحدهما أنه لولا ذلك لما استقرت للحكام قاعدة ولبقيت الخصومات على حالها بعد الحكم وذلك يوجب دوام التشاجر والتنازع وانتشار الفساد ودوام العناد وهو مناف للحكمة التي لأجلها نصب الحكام وعلى هذا الوجه اقتصر المحلي حيث قال إذ لو جاز نقضه لجاز نقض النقض وهلم فتفوت مصلحة نصب الحاكم من فصل الحكومات وثانيهما أن الله تعالى جعل للحاكم أن ينشئ الحكم في مواضع الاجتهاد بحسب ما يقتضي الدليل عنده أو عند إمامه الذي قلده فهو منشئ لحكم الإلزام فيما يلزم والإباحة فيما يباح كالقضاء بأن الموات الذي ذهب إحياؤه صار مباحا مطلقا كما كان قبل الإحياء والإنشاء بمعنى أنه منفذ لحكم الله تعالى على وجه الإلزام بل إن الله تعالى قد جعل له أن ما حكم به فهو إما نفس حكمه تعالى بناء على القول بتصويب المجتهدين وإما أنه كالنص الوارد من قبل الله تعالى في خصوص تلك الواقعة من جهة منعه تعالى من نقض أحكام المجتهدين لما في ذلك من المفسدة بناء على القول بعدم التصويب فيئول الحال فيها إلى ما يشبه تعارض الخاص والعام بوجه ما فيقدم الخاص على القاعدة في أصول الفقه مثلا دل الدليل عند مالك رحمه الله تعالى على أن تعليق الطلاق قبل ملك العصمة يلزم وهذا الدليل يشمل صورا لا نهاية لها فإذا رفعت صورة من تلك الصور إلى حاكم شافعي وحكم بصحة النكاح واستمرار العصمة وإبطال الطلاق المعلق على ذلك النكاح كان حكم الشافعي كالنص من الله تعالى الوارد من خصوص تلك الصورة من الجهة المذكورة فيكون الحال في هذه الصورة بمنزلة ما لو قال الله تعالى التعليق قبل الملك لازم وقال التعليق قبل الملك في حق هذه المرأة غير لازم والعصمة فيها تستمر فقلنا هذان نصان خاص وعام فنقدم الخاص على العام على القاعدة الأصولية فكما أن مالكا رحمه الله تعالى يقول فيما لو قال الله تعالى اقتلوا المشركين .

وقال لا تقتلوا الرهبان إنا نقتل المشركين ونترك الرهبان جمعا بين نصي الخاص والعام كذلك يقول مالك رحمه الله تعالى هنا أعمل هذا الحكم في هذه الصورة فتبقى بقية الصورة عندي يصح فيها التعليق قبل النكاح جمعا بين ما هو كنصي الخاص والعام ولي المفتي كالحاكم فيما ذكر بل هو ناقل ومخبر ومعرف بالحكم انظر كتاب الإحكام في الفرق بين الفتاوى والأحكام للأصل والله سبحانه وتعالى أعلم ( تنبيه ) الشرط في كون حكم الاجتهاديات لا ينقض أن [ ص: 116 ] يكون ما حكم به على الأوضاع الشرعية كما علمت وإلا نقض قال في جمع الجوامع وشرحه للمحلي .

( فإن خالف ) الحكم ( نصا أو ظاهرا جليا ولو قياسا ) وهو القياس الجلي نقض لمخالفته للدليل المذكور قال في الأشباه وما ذكرناه من النقض عند مخالفة القياس الجلي ذكره الفقهاء وعزاه الغزالي في المستصفى إليهم ثم قال فإن أرادوا به ما هو في معنى الأصل مما نقطع به فهو صحيح وإن أرادوا به قياسا مظنونا مع كونه جليا فلا وجه إذ لا فرق بين ظن وظن ا هـ .

( أو حكم ) حاكم ( بخلاف اجتهاده ) قلد غيره فيه أو لا نقض حكمه لمخالفته لاجتهاده وامتناع تقليده فيما اجتهد فيه ( أو حكم ) حاكم ( بخلاف نص إمامه غير مقلد غيره ) من الأئمة ( حيث يجوز ) لمقلد إمام تقليد غيره بأن لم يقلد في حكمه أحدا لاستقلاله فيه برأيه أو قلد فيه غير إمامه حيث يمتنع تقليده ( نقض ) حكمه لمخالفته لنص إمامه الذي هو في حقه لالتزامه تقليده كالدليل في حق المجتهد أما إذا قلد في حكمه غير إمامه حيث يجوز تقليده فلا ينقض حكمه لأنه لعدالته إنما حكم به لرجحانه عنده ا هـ .

بزيادة من حاشية العطار قال العطار قال الإسنوي في التمهيد نقلا عن الغزالي إذا تولى مقلد للضرورة فحكم بمذهب غير مقلده فإن قلنا لا يجوز للمقلد تقليد من شاء بل عليه إتباع مقلده نقض حكمه وإن قلنا له تقليد من شاء لم ينقض ا هـ .

ونقل ابن الرفعة في الكفاية أن الدامغاني قاضي بغداد الحنفي في أيام المعتضد ولى ابن سريج القضاء وشرط عليه أن لا يحكم إلا بمذهب أبي حنيفة فالتزم ذلك ا هـ والمراد بالنص ما يقابل الظاهر فيدخل فيه الإجماع القطعي وفي الظاهر الظني ومحل ذلك في النص الموجود قبل الاجتهاد فإن حدث بعده وهو إنما يتصور في عصره صلى الله عليه وسلم لم ينقض صرح به الماوردي وهو ظاهر ويقاس بالنص الإجماع والقياس ا هـ زكريا والله أعلم .




الخدمات العلمية