الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 346 ] مسائل متفرقة

[ ص: 348 ] مسألة

ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- في مسجد بيت المقدس وقد جعل فيه أئمة، كل منهم يصلي في موضع منه، فهل إذا صلى أحد منهم في وقت صلاة الآخر هل يدخل في النهي فيكره له ذلك أم لا؟ وهل هذا بدعة مكروه أم لا؟ وأي الأئمة أحق بالصلاة بلا كراهة؟ وهل تبطل صلاة الإمام الذي صلى بعد إقامة الصلاة لإمام غيره أو تكره؟ وهل يصح قول من قال: إن كل بنية فيه لما اختصت بإمام صارت كالمسجد المستقل؟

فأجاب الشيخ تقي الدين وقال:

الحمد لله، صلاة إمامين في وقت واحد في المسجد الأقصى أو غيره من المساجد بدعة، لم يكن السلف يفعلونها، وفيها تفريق الجماعات وتقليلها، والسنة اتحاد الجماعة وكثرتها، ولو كان مثل هذا مشروعا لكان يشرع في صلاة الخوف أن يصلي بالناس عدة أئمة، لكن السنة جاءت بصلاتهم خلف إمام واحد، مع ما في ذلك من مخالفة الأصول، مثل مفارقة الإمام قبل السلام، والعمل الكثير في الصلاة، واستدبار القبلة، وقضاء المسبوق قبل سلام إمامه، [ ص: 350 ] وتخلف الصف الثاني عن متابعة الإمام. فهذا كله جاءت به السنة ليصلوا جميعا خلف إمام واحد.

والعلماء قد تنازعوا في المسجد الذي له إمام راتب هل يصلي فيه جماعة من فاتته الجماعة، أو يفرق بين المساجد التي ينتابها الناس وغيرها، أو بين المساجد العظام وغيرها، أو بين المساجد الثلاثة وغيرها، على النزاع المشهور بين الأئمة، لأنه لم يكن يرتب في المسجد إلا إمام واحد، وفي هذه الأزمنة قد ترتب في المسجد عدة أئمة، وإذا فعل ذلك فالذي ينبغي أن يصلي واحد بعد واحد، ليكون من فاتته الصلاة مع الأول صلى مع الثاني، ولأن إقامة جماعة بعد الجماعة الراتبة مما ذهب إليه كثير من العلماء، وجاءت به السنة في مواضع الحاجة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن فاتته الصلاة: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه". ولأن أنس بن مالك أتى المسجد وقد صلى فيه الناس، فأقام الصلاة وصلى فيه جماعة أخرى.

فأما إمامة اثنين في وقت واحد في مسجد واحد فهذا لا يعرف أحد من السلف فعله، وكل ما كان أقرب إلى السنة وأبعد عن البدعة فهو أولى بالاتباع. والذي أحدث الصلاة مع غيره هو أحق بالنهي ممن كان يصلي وحده. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية