الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في الإمام يمنع القاتل السلب إن رأى والفرس والسلاح من السلب

                                                                      2719 حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثني صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة فرافقني مدد من أهل اليمن ليس معه غير سيفه فنحر رجل من المسلمين جزورا فسأله المددي طائفة من جلده فأعطاه إياه فاتخذه كهيئة الدرق ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فجعل الرومي يغري بالمسلمين فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه فلما فتح الله عز وجل للمسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ من السلب قال عوف فأتيته فقلت يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل قال بلى ولكني استكثرته قلت لتردنه عليه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يرد عليه قال عوف فاجتمعنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خالد ما حملك على ما صنعت قال يا رسول الله لقد استكثرته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خالد رد عليه ما أخذت منه قال عوف فقلت له دونك يا خالد ألم أف لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ذلك فأخبرته قال فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا خالد لا ترد عليه هل أنتم تاركون لي أمرائي لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال حدثنا الوليد قال سألت ثورا عن هذا الحديث فحدثني عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن عوف بن مالك الأشجعي نحوه [ ص: 310 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 310 ] ( في غزوة مؤتة ) : بضم الميم وهمزة ساكنة ويجوز ترك الهمز كما في نظائره ، وهي قرية معروفة في طرف الشام عند الكرك .

                                                                      قاله النووي ( ورافقني ) : أي صار رفيقي ( مددي ) : يعني رجل من المدد الذين جاءوا يمدون جيش مؤتة ويساعدونهم ( جزورا ) : أي بعيرا ( طائفة ) : أي قطعة ( كهيئة الدرق ) : قال في الصراح : درقة بفتحتين سير جمعه درق ( أشقر ) : أي أحمر ( مذهب ) : بضم وسكون أي مطلي بالذهب ( يفري ) : بالفاء والراء كيرمي أي يبالغ في النكاية والقتل ، يقال فلان يفري إذا كان يبالغ في الأمر .

                                                                      وفي بعض النسخ يغري بالغين من الإغراء أي يسلط الكفرة على المسلمين ويحثهم على قتالهم ( فقعد له ) : أي للرومي ( فعرقب فرسه ) : أي قطع قوائمها ( وعلاه ) : أي علا المددي الرومي ( وحاز ) : أي جمع ( استكثرته ) : أي زعمته كثيرا ( أو لأعرفنكها ) : من التعريف أي لأجازينك بها حتى تعرف سوء صنيعك ، وهي كلمة تقال عند التهديد ، كذا في المجمع .

                                                                      [ ص: 311 ] وفي بعض الحواشي : المنصوب للفعلة أي أجعلنك عارفا بجزائها ( دونك ) : أي خذ ما وعدتك ( هل أنتم تاركون لي ) : وفي بعض النسخ تاركو لي بحذف النون .

                                                                      قال النووي : هذا أيضا صحيح وهي لغة معروفة ( أمرائي ) أي الأمراء الذين أمرتهم عليكم منهم خالد بن الوليد تتركونهم بمخالفتهم وعدم متابعتهم وليس صنيعكم هذا لائقا بشأن الأمراء ( لكم صفوة أمرهم ) : بكسر الصاد خلاصة الشيء وما صفا منه قاله الخطابي ( وعليهم ) : أي على الأمراء ( كدره ) : الكدر بالتحريك ضد الصافي .

                                                                      ولفظ مسلم " فمر خالد بعوف فجر بردائه ثم قال هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغضب فقال : لا تعطه يا خالد ، لا تعطه يا خالد ، هل أنتم تاركوا لي أمرائي إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعى إبلا أو غنما فرعاها ثم تحين سقيها فأوردها حوضا فشرعت فيه فشربت صفوه وتركت كدره ، فصفوه لكم وكدره عليهم " انتهى .

                                                                      قال النووي : معناه أن الرعية يأخذون صفو الأمور فتصلهم أعطياتهم بغير نكد ، وتبتلى الولاة بمقاساة الناس وجمع الأموال على وجوهها وصرفها في وجوهها ، وحفظ الرعية والشفقة عليهم والذب عنهم وإنصاف بعضهم من بعض ، ثم متى وقع علقة أو عتب في بعض ذلك توجه على الأمراء دون الناس انتهى .

                                                                      وفي الحديث دليل على أن للإمام أن يعطي السلب غير القاتل لأمر يعرض فيه مصلحة من تأديب أو غيره وفيه أن الفرس والسلاح من السلب .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم .




                                                                      الخدمات العلمية