الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
أحدها: أن يقال قد تقدم أن لفظ المنقسم لفظ مجمل بحسب الاصطلاحات، فالمنقسم في اللغة العربية التي نزل بها [ ص: 431 ] القرآن هو ما فصل بعضه عن بعض كقسمة الماء وغيره بين المشتركين، كما قال الله تعالى : ونبئهم أن الماء قسمة بينهم [القمر 28] .

وقال تعالى: لكل باب منهم جزء مقسوم [الحجر 44] .

وقال تعالى: أهم يقسمون رحمت ربك [الزخرف 32] .

وقال تعالى: نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا [الزخرف 32] .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أنا قاسم، أقسم بينكم. وهذا هو حقيقة المقسوم بدليل صحة نفي اللفظ عما ليس كذلك كما في الحديث الصحيح: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم، وكما في قوله: أيما ميراث قسم في الجاهلية [ ص: 432 ] فهو على ما قسم، وأيما مال أدركه الإسلام فهو على قسم الإسلام، [ ص: 433 ] وكما قال: لا يقتسم ورثتي دينارا ولا درهما، وتقول الفقهاء: العقار إما أن يحتمل القسمة أو لا يحتمل القسمة، فإن كان كالرحى الصغيرة والحانوت الصغير التي لا تحتمل القسمة، ففي ثبوت الشفعة فيه نزاع مشهور بين الفقهاء، وإن كان يحتمل القسمة كالأرض البيضاء الكبيرة ونحو ذلك ثبتت فيه الشفعة بالاتفاق، وكذلك يقولون في باب القسمة إن [ ص: 434 ] المال إما أن يحتمل القسمة وإما أن لا يحتملها، فالذي لا يحتمل القسمة كالعبد الواحد والفرس الواحد وكالجوهرة والإناء الواحد ونحو ذلك.

فهذا الباب باب القسمة وما فيه من المسائل كقولهم القسمة هل هي إفراز الحقوق وتمييز الأنصباء أم هي بيع، وقولهم ما لا يمكن قسمته إذا طلب أحد الشريكين بيعه ليقسم الثمن هل يجبر الآخر على البيع، وقولهم إذا كان في القسمة ضرر على أحد الشريكين فهل يجبر الممتنع فيها ونحو ذلك، ومن ذلك قولهم في المضاربة والغنيمة ونحوها هل يملك الربح أو المغنم بالظهور أو لا يملك إلا بالقسمة، وقولهم باب قسم الصدقة والغنائم والفيء وأمثال ذلك مما [ ص: 435 ] لا يحصيه إلا الله إنما يريد الخاصة من العلماء والعامة من الناس بلفظ القسمة هنا تفصيل الشيء بعضه عن بعض؛ بحيث يكون هذا في حيز وهذا في حيز منفصل عنه؛ ليتميز أحدهما عن الآخر تميزا يمكن به التصرف في أحدهما دون الآخر.

وإذا كان هذا المعنى هو الظاهر في لغة الناس وعادتهم بلفظ القسمة، فقوله بعد ذلك إما أن يكون منقسما أو لا يكون يختار فيه المنازع جانب النفي، فإن الله ليس بمنقسم وليس هو شيئين أو أشياء كل واحد منها في حيز منفصل عن حيز الآخر كالأعيان المقسومة، وما نعلم عاقلا يقول ذلك، وما كان منقسما بهذا المعنى فهو اثنان كل منهما قائم بنفسه، ولم يقل أحد من الناس إن الله أو إن خالق العالم هما اثنان متميزان كل منهما قائم بنفسه إلا ما يحكى عن بعض الثنوية من قولهم إن أصل العالم النور والظلمة القديمان [ ص: 436 ] لكن هؤلاء لا يقولون بتساويهما في الصفات.

التالي السابق


الخدمات العلمية