الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل [ الاحتيال على الوصول إلى الحق بطريق مباحة لكنها لم تشرع له ] .

القسم الثالث : أن يحتال على التوصل إلى حق أو على دفع الظلم بطريق مباحة لم توضع موصلة إلى ذلك ، بل وضعت لغيره ، فيتخذها هو طريقا إلى هذا المقصود الصحيح ، أو قد يكون قد وضعت له لكن تكون خفية ولا يفطن لها ، والفرق بين هذا القسم والذي قبله أن الطريق في الذي قبله نصبت مفضية إلى مقصودها ظاهرا ، فسالكها سالك للطريق المعهود ، والطريق في هذا القسم نصبت مفضية إلى غيره فيتوصل بها إلى ما لم توضع له ; فهي في الفعال كالتعريض الجائز في المقال ، أو تكون مفضية إليه لكن بخفاء ، ونذكر لذلك أمثلة ينتفع بها في هذا الباب . [ ص: 262 ] المثال الأول : إذا استأجر منه دارا مدة سنين بأجرة معلومة ، فخاف أن يغدر به المكري في آخر المدة ويتسبب إلى فسخ الإجارة بأن يظهر أنه لم تكن له ولاية الإيجار أو أن المؤجر ملك لابنه أو امرأته أو أنه كان مؤجرا قبل إيجاره ، ويتبين أن المقبوض أجرة المثل لما استوفاه من المدة وينتزع المؤجر له منه ; فالحيلة في التخلص من هذه الحيلة أن يضمنه المستأجر درك العين المؤجرة له أو لغيره ، فإذا استحقت أو ظهرت الإجارة فاسدة رجع عليه بما قبضه منه ، أو يأخذ إقرار من يخاف منه بأنه لا حق له في العين وأن كل دعوى يدعيها بسببها فهي باطلة ، أو يستأجرها منه بمائة دينار مثلا ثم يصارفه كل دينار بعشرة دراهم ، فإذا طالبه بأجرة المثل طالبه هو بالدنانير التي وقع عليها العقد ، فإنه لم يخف من ذلك ، ولكن يخاف أن يغدر به في آخر المدة ، فليقسط [ مبلغ ] الأجرة على عدد السنين ، ويجعل معظمها للسنة التي يخشى غدره فيها .

وكذلك إذا خاف المؤجر أن يغدر المستأجر ويرحل في آخر المدة ، فليجعل معظم الأجرة على المدة التي يأمن فيها من رحيله ، والقدر اليسير منها لآخر المدة

التالي السابق


الخدمات العلمية