الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 433 ] كتاب الجنايات فائدة " الجنايات " جمع جناية . والجناية لها معنيان : معنى في اللغة ، ومعنى في الاصطلاح فمعناها في اللغة : كل فعل وقع على وجه التعدي سواء كان في النفس أو في المال . ومعناها في عرف الفقهاء : التعدي على الأبدان . فسموا ما كان على الأبدان جناية . وسموا ما كان على الأموال غصبا ، وإتلافا ونهبا وسرقة وخيانة

قوله ( القتل على أربعة أضرب : عمد ، وشبه عمد ، وخطإ ، وما أجري مجرى الخطأ ) اعلم أن المصنف رحمه الله قسم القتل إلى أربعة أقسام . وكذا فعل أبو الخطاب في الهداية . وصاحب المذهب ، ومسبوك الذهب . والمستوعب ، والخلاصة ، والرعايتين ، والحاوي ، والوجيز ، وإدراك الغاية ، وغيرهم . فزادوا : ما أجري مجرى الخطأ كالنائم ينقلب على إنسان فيقتله ، أو يقتل بالسبب مثل أن يحفر بئرا ، أو ينصب سكينا ، أو حجرا ، فيئول إلى إتلاف إنسان ، وعمد الصبي والمجنون ، وما أشبه ذلك كما مثله المصنف في آخر الفصل من هذا الكتاب . وقال المصنف ، والشارح : وهذه الصور عند الأكثرين من قسم الخطأ ، أعطوه حكمه . انتهيا . قلت : كثير من الأصحاب قسموا القتل ثلاثة أقسام . منهم الخرقي ، وصاحب العمدة ، والكافي ، والمحرر ، والفروع ، وغيرهم . قال الزركشي : بعض المتأخرين كأبي الخطاب ، ومن تبعه زادوا قسما رابعا . [ ص: 434 ] قال : ولا نزاع أنه باعتبار الحكم الشرعي لا يزيد على ثلاثة أوجه . عمد ، وهو ما فيه القصاص أو الدية . وشبه العمد ، وهو ما فيه دية مغلظة من غير قود . وخطأ ، وهو ما فيه دية مخففة . انتهى . ويأتي تفاصيل ذلك في أول " كتاب الديات " قلت : الذي نظر إلى الأحكام المترتبة على القتل جعل الأقسام ثلاثة . والذي نظر إلى الصور : فهي أربعة بلا شك . وأما الأحكام فمتفق عليها : تنبيه :

ظاهر قوله ( أحدها : أن يجرحه بما له مور ) أي دخول وتردد ( في البدن ، من حديد أو غيره ، مثل أن يجرحه بسكين ، أو يغرزه بمسلة ) ولو لم يداو المجروح القادر على الدواء جرحه ، حتى مات . وهو صحيح . وهو المذهب . قال في الفروع : والأصح ولو لم يداو مجروح قادر جرحه . وقيل : ليس بعمد . نقل جعفر : الشهادة على القتل : أن يروه وجأه . وأنه مات من ذلك . وقال في القواعد الأصولية : لو جرحه فترك مداواة الجرح ، أو فصده فترك شد فصاده : لم يسقط الضمان . ذكره في المغني محل وفاق . وذكر بعض المتأخرين : لا ضمان في ترك شد الفصاد . ذكره محل وفاق . وذكر في ترك مداواة لجرح من قادر على التداوي : وجهين . وصحح الضمان انتهى . وأراد ببعض المتأخرين : صاحب الفروع .

فائدة :

وكذا الحكم لو طال به المرض ، ولا علة به غيره . قال ابن عقيل في الواضح : أو جرحه ، وتعقبه سراية بمرض ودام جرحه ، حتى مات فلا يعلق بفعل الله شيء . [ ص: 435 ]

قوله ( إلا أن يغرزه بإبرة ، أو شوكة ونحوهما في غير مقتل فيموت في الحال . ففي كونه عمدا وجهان ) وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمغني ، والكافي ، والهادي ، والمحرر ، والشرح ، والرعايتين ، والزركشي ، والفروع .

أحدهما : يكون عمدا . وهو المذهب . وهو ظاهر كلام الخرقي . فإنه لم يفرق بين الصغير والكبير . وصححه في التصحيح . وجزم به في الوجيز ، والحاوي الصغير ، إلا أن تكون النسخة مغلوطة . قال في الهداية : هو قول غير ابن حامد . وصححه الناظم .

والوجه الثاني : لا يكون عمدا ، بل شبه عمد . وهو ظاهر ما جزم به في المنور . واختاره ابن حامد . وقدمه في تجريد العناية ، وشرح ابن رزين .

قوله ( وإن بقي من ذلك ضمنا حتى مات ) فهو عمد محض . هذا المذهب . وعليه جماهير الأصحاب . وقطع به كثير منهم . قال المصنف : هذا قول أصحابنا . وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم . وفيه وجه لا يكون عمدا .

قوله ( أو كان الغرز بها في مقتل كالفؤاد والخصيتين فهو عمد محض ) بلا نزاع

التالي السابق


الخدمات العلمية