الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن المبارك، وابن جرير ، وابن المنذر ، والحاكم وصححه، والبيهقي في "شعب الإيمان" من طريق داود بن صالح قال : قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : تدري في أي شيء نزلت هذه الآية : اصبروا وصابروا ورابطوا قلت : لا، قال، سمعت أبا هريرة يقول : لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه، ولكن انتظار الصلاة بعد الصلاة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : أقبل علي أبو هريرة يوما فقال : أتدري يا ابن أخي فيم أنزلت هذه الآية : يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا قلت : لا، قال : أما إنه لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم غزو يرابطون فيه، ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد، يصلون الصلاة في مواقيتها ثم يذكرون الله فيها، فعليهم أنزلت : اصبروا أي : على الصلوات الخمس، وصابروا أنفسكم وهواكم ورابطوا في مساجدكم، واتقوا الله فيما علمكم لعلكم تفلحون .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 196 ] وأخرج ابن مردويه عن أبي أيوب قال : وقف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «هل لكم إلى ما يمحو الله تعالى به الذنوب، ويعظم به الأجر؟» قلنا : نعم يا رسول الله . قال : «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة» قال : «وهو قول الله : يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا فذلكم هو الرباط في المساجد» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن حبان ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب؟» قلنا : بلى يا رسول الله . قال : «إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير من حديث علي، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مالك ، والشافعي، وعبد الرزاق ، وأحمد ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط» .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 197 ] وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي غسان قال : إن هذه الآية إنما أنزلت في لزوم المساجد : يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن في الآية قال : أمرهم أن يصبروا على دينهم، ولا يدعوه لشدة ولا رخاء، ولا سراء ولا ضراء، وأمرهم أن يصابروا الكفار، وأن يرابطوا المشركين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي في الآية قال : اصبروا على دينكم، وصابروا الوعد الذي وعدتكم، ورابطوا عدوي وعدوكم؛ حتى يترك دينه لدينكم، واتقوا الله فيما بيني وبينكم، لعلكم تفلحون غدا إذا لقيتموني .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة في الآية قال : اصبروا على طاعة الله، وصابروا أهل الضلالة، ورابطوا في سبيل الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "الشعب"، عن زيد بن أسلم في الآية قال : اصبروا على الجهاد، وصابروا عدوكم، ورابطوا على دينكم .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 198 ] وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن الحسن في الآية قال : اصبروا عند المصيبة، وصابروا على الصلوات، ورابطوا جاهدوا في سبيل الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال : اصبروا على الفرائض، وصابروا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الموطن، ورابطوا فيما أمركم ونهاكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في الآية قال : اصبروا على طاعة الله، وصابروا أعداء الله، ورابطوا في سبيل الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو نعيم عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا أيها الذين آمنوا اصبروا على الصلوات الخمس، وصابروا على قتال عدوكم بالسيف، ورابطوا في سبيل الله لعلكم تفلحون » .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مالك ، وابن أبي شيبة ، وابن أبي الدنيا، وابن جرير ، والحاكم وصححه، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن زيد بن أسلم قال : كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم، فكتب إليه عمر : أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من شدة يجعل الله بعدها فرجا، [ ص: 199 ] وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن الله يقول في كتابه : يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري، ومسلم ، والترمذي ، والبيهقي في "الشعب" عن سهل بن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد وأبو داود ، والترمذي وصححه، وابن حبان ، والحاكم وصححه، والبيهقي في "الشعب" عن فضالة بن عبيد : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : «كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله؛ فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويأمن فتنة القبر» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، والطبراني ، والبيهقي ، عن سلمان : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : يقول : «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه فأمن الفتان» زاد الطبراني : «وبعث يوم القيامة شهيدا» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني بسند جيد عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال : [ ص: 200 ] «رباط شهر خير من صيام دهر، ومن مات مرابطا في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر، وغدي عليه برزقه، وريح من الجنة، ويجرى عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله عز وجل» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني بسند جيد عن العرباض بن سارية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كل عمل ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله؛ فإنه ينمى له عمله، ويجرى عليه رزقه إلى يوم القيامة» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد بسند جيد عن أم الدرداء ترفع الحديث قالت : «من رابط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام أجزأت عنه رباط سنة» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن ماجه بسند صحيح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «من مات مرابطا في سبيل الله أجري عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل، وأجري عليه رزقه، وأمن من الفتان، وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في "الأوسط" عن أبي هريرة مرفوعا مثله، وزاد : [ ص: 201 ] «والمرابط إذا مات في رباطه كتب له أجر عمله إلى يوم القيامة، وغدي عليه وريح برزقه، ويزوج سبعين حوراء، وقيل له : قف اشفع إلى أن يفرغ من الحساب» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني بسند لا بأس به عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من سن سنة حسنة فله أجرها ما عمل بها في حياته وبعد مماته حتى تترك، ومن سن سنة سيئة فعليه إثمها حتى تترك، ومن مات مرابطا في سبيل الله جرى عليه عمل المرابط حتى يبعث يوم القيامة» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في "الأوسط" بسند جيد عن أنس قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجر المرابط فقال : «من رابط ليلة حارسا من وراء المسلمين كان له أجر من خلفه ممن صام وصلى» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني في "الأوسط" بسند لا بأس به، عن جابر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «من رابط يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار سبع خنادق، كل خندق كسبع سماوات وسبع أرضين» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن ماجه بسند واه عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا، من غير شهر [ ص: 202 ] رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا من عبادة مائة سنة، صيامها وقيامها، ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا من عبادة ألفي سنة صيامها وقيامها، فإن رده الله إلى أهله سالما لم تكتب له سيئة، وتكتب له الحسنات، ويجرى له أجر الرباط إلى يوم القيامة» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن حبان، والبيهقي ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة ، أنه كان في المرابطة ففزعوا وخرجوا إلى الساحل ثم قيل : لا بأس، فانصرف الناس وأبو هريرة واقف، فمر به إنسان فقال : ما يوقفك يا أبا هريرة؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الترمذي وحسنه، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن حبان ، والحاكم وصححه، عن عثمان بن عفان : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل» ولفظ ابن ماجه : «من رابط ليلة في سبيل الله كانت كألف ليلة صيامها وقيامها» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة، ونفقة الدينار والدرهم منه أفضل من [ ص: 203 ] تسعمائة دينار ينفقه في غيره» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ في "الثواب" عن أنس مرفوعا : «الصلاة بأرض الرباط بألفي ألف صلاة» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن حبان عن عتبة بن الندر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إذا انتاط غزوكم وكثرت العزائم، واستحلت الغنائم فخير جهادكم الرباط» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البخاري، والبيهقي ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، وعبد القطيفة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مسلم، والنسائي ، والبيهقي ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 204 ] قال : «من خير معاش الناس لهم : رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة أو فزعة طار على متنه يبتغي القتل والموت من مظانه، ورجل في غنيمة في رأس شعفة من هذه الشعف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا في خير» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن أم مبشر تبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : «خير الناس منزلة رجل على متن فرسه يخيف العدو ويخيفونه» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لأن أحرس ثلاث ليال مرابطا من وراء بيضة المسلمين أحب إلي من أن تصيبني ليلة القدر في أحد المسجدين : المدينة أو بيت المقدس» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من مات مرابطا في سبيل الله أمنه الله من فتنة القبر» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن المرابط في سبيل الله أعظم أجرا من رجل جمع كعبيه زيادة شهر، صيامه وقيامه» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج البيهقي عن ابن عائذ قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل، فلما وضع قال عمر بن الخطاب : لا تصل عليه يا رسول الله؛ فإنه رجل [ ص: 205 ] فاجر، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فقال : «هل رآه أحد منكم على الإسلام؟» فقال رجل : نعم يا رسول الله، حرس ليلة في سبيل الله، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحثى عليه التراب، وقال : «أصحابك يظنون أنك من أهل النار، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة» وقال : «يا عمر، إنك لا تسأل عن أعمال الناس، ولكن تسأل عن الفطرة» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر ، أن عمر كان يقول : إن الله بدأ هذا الأمر حين بدأ بنبوة ورحمة، ثم يعود إلى خلافة ورحمة، ثم يعود إلى سلطان ورحمة، ثم يعود إلى ملك ورحمة، ثم يعود جبرية يتكادمون تكادم الحمير، أيها الناس، عليكم بالغزو والجهاد ما كان حلوا خضرا قبل أن يكون مرا عسرا، ويكون ثماما قبل أن يكون حطاما، فإذا انتاطت المغازي وأكلت الغنائم، واستحل الحرام، فعليكم بالرباط؛ فإنه خير جهادكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن أبي أمامة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «أربعة تجري [ ص: 206 ] عليهم أجورهم بعد الموت : رجل مات مرابطا في سبيل الله، ورجل علم علما فأجره يجري عليه ما عمل به، ورجل أجرى صدقة فأجرها يجري عليه ما جرت عليهم، ورجل ترك ولدا صالحا يدعو له» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن السني في "عمل يوم وليلة"، وابن مردويه ، وأبو نعيم، وابن عساكر ، عن أبي هريرة : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الدارمي عن عثمان بن عفان قال : من قرأ آخر "آل عمران" في ليلة كتب له قيام ليلة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية