الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : يوصيكم الله الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد بن حميد ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "سننه" من طرق، عن جابر بن عبد الله قال : عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة ماشيين، فوجدني النبي صلى الله عليه وسلم لا أعقل شيئا، فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش علي فأفقت، فقلت : ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 253 ] وأخرج عبد بن حميد ، والحاكم ، عن جابر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض، فقلت : كيف أقسم مالي بين ولدي؟ فلم يرد علي شيئا فنزلت : يوصيكم الله في أولادكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطيالسي ، ومسدد، وابن سعد، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، وابن أبي عمر، وابن منيع، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وابن أبي أسامة، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي في "سننه"، عن جابر قال : جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قتل أبوهما معك في أحد شهيدا، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا، ولا ينكحان إلا ولهما مال؟ فقال : «يقضي الله في ذلك» فنزلت آية الميراث : يوصيكم الله في أولادكم الآية، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال : «أعط ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، والبخاري ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في "سننه"، عن ابن عباس قال : كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين والأقربين، فنسخ الله من ذلك ما أحب؛ فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس مع الولد، وجعل للزوجة [ ص: 254 ] الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : لما نزلت آية الفرائض التي فرض الله فيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين كرهها الناس، أو بعضهم، وقالوا : نعطي المرأة الربع أو الثمن، ونعطي الابنة النصف، ونعطي الغلام الصغير وليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم، ولا يحوز الغنيمة؟ وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية؛ لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم، ويعطونه الأكبر فالأكبر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : للذكر مثل حظ الأنثيين قال : صغيرا أو كبيرا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن السدي قال : كان أهل الجاهلية لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان، لا يرث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال، فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر، وترك امرأة له يقال لها أم كجة، وترك خمس جوار، فجاءت الورثة فأخذوا ماله فشكت أم [ ص: 255 ] كجة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية : فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ، ثم قال : في أم كجة : ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : فإن كن نساء يعني : بنات، فوق اثنتين يعني : أكثر من اثنتين، أو كن اثنتين ليس معهن ذكر، فلهن ثلثا ما ترك الميت، والبقية للعصبة، وإن كانت واحدة يعني : ابنة واحدة، فلها النصف ولأبويه يعني أبوي الميت، لكل واحد منهما السدس مما ترك الميت، إن كان له ولد يعني : ذكرا كان أوكانتا اثنتين فوق ذلك، ولم يكن معهن ذكر، فإن كان الولد ابنة واحدة فلها نصف المال، ثلاثة أسداس، وللأب سدس ويبقى سدس واحد، فيرد ذلك على الأب؛ لأنه هو العصبة، فإن لم يكن له ولد قال : ذكر ولا أنثى، وورثه أبواه فلأمه الثلث وبقية المال للأب، فإن كان له يعني : للميت، إخوة قال : أخوان فصاعدا، أو أختان، أو أخ أو أخت، فلأمه السدس وما بقي فللأب وليس للإخوة مع الأب شيء، ولكنهم حجبوا الأم عن الثلث، من بعد وصية يوصي بها فيما بينه وبين الثلث لغير الورثة، ولا تجوز وصية لوارث : أو دين يعني : يقسم الميراث للورثة [ ص: 256 ] من بعد دين على الميت، فريضة من الله يعني ما ذكر من قسمة الميراث إن الله كان عليما حكيما حكم قسمه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم عن زيد بن ثابت قال : إذا توفي الرجل أو المرأة وترك بنتا فلها النصف، فإن كانتا اثنتين فأكثر فلهن الثلثان، وإن كان معهن ذكر فلا فريضة لأحد منهم، ويبدأ بأحد إن شركهن بفريضة فيعطى فريضته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، والحاكم ، والبيهقي ، عن ابن مسعود قال : كان عمر بن الخطاب إذا سلك بنا طريقا فاتبعناه وجدناه سهلا، وإنه سئل عن امرأة وأبوين فقال : للمرأة الربع وللأم ثلث ما بقي، وما بقي فللأب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، والبيهقي ، عن عكرمة قال : أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين، فقال زيد : للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي، وللأب بقية المال، فأرسل إليه ابن عباس : أفي كتاب الله تجد هذا؟ قال : لا، ولكن أكره أن أفضل أما على أب، قال : وكان ابن عباس يعطي الأم الثلث من جميع المال .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، والحاكم وصححه، والبيهقي في "سننه"، عن ابن عباس ، أنه دخل على عثمان فقال : إن الأخوين لا يردان الأم عن الثلث، [ ص: 257 ] قال الله : فإن كان له إخوة فالأخوان ليسا بلسان قومك إخوة . فقال عثمان : لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي، ومضى في الأمصار وتوارث به الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم ، والبيهقي في "سننه"، عن زيد بن ثابت، أنه كان يحجب الأم بالأخوين، فقالوا له : يا أبا سعيد، إن الله يقول : فإن كان له إخوة وأنت تحجبها بأخوين فقال : إن العرب تسمي الأخوين إخوة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : فإن كان له إخوة فلأمه السدس قال : أضروا بالأم ولا يرثون ولا يحجبها الأخ الواحد من الثلث، ويحجبها ما فوق ذلك، وكان أهل العلم يرون أنهم إنما حجبوا أمهم من الثلث؛ لأن أباهم يلي نكاحهم والنفقة عليهم دون أمهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، والبيهقي في "سننه"، عن ابن عباس قال : السدس الذي حجبته الإخوة الأم لهم، إنما حجبوا أمهم عنه ليكون لهم دون أبيهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وابن ماجه ، [ ص: 258 ] وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، وابن الجارود، والدارقطني، والبيهقي في "سننه"، عن علي، قال : إنكم تقرءون هذه الآية : من بعد وصية يوصي بها أو دين وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية، وإن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله : من بعد وصية يوصي بها أو دين قال : يبدأ بالدين قبل الوصية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا يقول : أطوعكم لله من الآباء والأبناء أرفعكم درجة عند الله يوم القيامة؛ لأن الله شفع المؤمنين بعضهم في بعض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : أيهم أقرب لكم نفعا قال : في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : أيهم أقرب لكم نفعا [ ص: 259 ] قال بعضهم : في نفع الآخرة، وقال بعضهم : في نفع الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال : الميراث للولد فانتزع الله منه للزوج والوالد .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية